يبدو أن المثل الصيني المعروف «لا تعطني سمكة، ولكني علمني كيف أصطاد» ليس صحيحا على إطلاقه رغم كثرة ترديده بثقة، ولا سيما من أولئك الذين يركزون على العناوين البراقة للمشاريع التنموية ذات المدى البعيد والأثر المستدام في محاربة الجوع! فهناك ملايين الجوعى بسبب الكوارث والأزمات والصراعات ممن لا يسمح الوقت بتعليمهم، بل إن من السذاجة التفكير في ذلك وهم على وشك الموت جوعا في مثل هذه البيئات!
لا ينطبق هذا المثل، الذي أصبح مبدأ مبالغا فيه، على كل المقاربات والجهود المبذولة لمكافحة الجوع حول العالم، ولم تعد المشاريع التنموية ذات المدى البعيد هي دائما المقاربة الأنسب للتعامل مع ظاهرة الجوع، ولا هي الأقدر على تلبية الحاجات الأكثر إلحاحا.
حسب الأرقام الصادرة عن أحدث وأدق تقرير اشتركت به خمس منظمات دولية، فهناك ما يقرب من 821 مليون إنسان يعانون الجوع على كرتنا الأرضية، يعيش معظمهم في البلدان النامية، حيث تتسبب النزاعات المسلحة في بلدان كالصومال واليمن وسورية، والتقلبات المناخية والتدهور البيئي في بلدان كأفريقيا الوسطى وهايتي، في حرمان البشر من مصادر الغذاء، الأمر الذي يفضي بدوره إلى موت أعداد كبيرة منهم، بسبب الجوع الفوري أو سوء التغذية الذي تراوحت نسبته ما بين 10و 12% عالميا إلى أن وصلت في بعض المناطق إلى 22%!
فرضت هذه الأوضاع الخطرة أولوية قصوى لمشاريع ومبادرات، سواء كانت دولية أو إقليمية أو وطنية، هدفت إلى مجرد الإطعام، وضمن هذا السياق وبهذا الفهم، تعمل بنوك الطعام في العالم وتطرح عدة مبادرات ومنها مبادرة «إطعام مليار جائع» و«مؤتمر إنسانية واحدة ضد الجوع» -الذي يعقد بالكويت هذه الأيام- للحفاظ على حياة البشر التي تعد من أسمى الغايات التي جعلتها الشريعة الإسلامية الغراء أحد مقاصدها الخمسة (حفظ النفس والعقل والعرض والنسل والمال)، وهي أولوية تتقدم ولا شك على التنمية المستدامة.
وفضلا عما تقدم، فإن للإطعام ذاته قيمة روحية كبيرة، إذ إن إطعام المساكين كفارة لبعض الذنوب كحنث اليمين والإفطار في رمضان، وكما يبقى الإطعام سبيلا لأولئك، ممن قد لا يمتلكون الوقت والمال الكافيين للمساهمة في مشاريع تنموية، لكنهم يبحثون عن تلك السعادة لتقديم بعض ما في أيديهم لسد رمق جائع!