رغم حبي وانبهاري بمرحلة التخطيط والتجهيز المبكر بشكل عام لشهر رمضان، إلا أن هذا الانبهار ينقلب استفزازا مع تلك الأخبار المتتالية قبيل شهر رمضان الفضيل من مختلف الجهات المعنية بشؤون الغذاء في بلادنا الإسلامية التي تطمئن المواطنين بأن مخزون الغذاء كاف لمعركة الطعام في هذا الشهر، وذلك على الرغم من أننا سنأكل وجبتين بدل ثلاث وجبات، وسنمتنع عن الطعام والشراب لمدة ما بين 12 و 16 ساعة في معظم الدول الإسلامية، وكأنه أصبح شهر الإفطار بدلا من أن يكون شهر الصوم، فتزداد نسبة هدر الطعام ويرتفع منسوب القمامة!
قضية هدر الطعام تعد من المشكلات الدولية التي تعاني منها معظم دول العالم، فحسب مجمل الإحصائيات الصادرة عن منظمات عالمية وعلى رأسها الفاو، فإن ثلث الغذاء الذي تنتجه مصانع العالم ومزارعه ينتهي به الأمر في سلة الحاويات، لاسيما في الدول الكبرى المتقدمة، في وقت يعاني فيه حوالي مليار شخص من الجوع، ففي أميركا يكفي عنوان تقرير NRDC عن Wasted: How America is Losing Up to 40 percent of Its Food from Farm to Fork to Landfill، والذي يعني «الهدر: كيف تخسر أميركا ما يصل إلى 40% من طعامها من المزرعة إلى الشوكة إلى المكب».
لا أدرى لسوء حظنا أم لحسنه، أنه لا توجد جهات دولية اهتمت بتقدير هدر الطعام في رمضان تحديدا، إلا أن بعض الدراسات التي أجريت في بعض البلدان الإسلامية تبين أن الهدر يزداد ليتخطى 25%!، فنجد على سبيل المثال أن إهدار الطعام يرتفع في المملكة العربية السعودية خلال شهر رمضان من 4000 طن يوميا إلى 5300 طن يوميا، كما ورد في دراسة «مراجعة فهم ومعالجة هدر الغذاء في المملكة العربية السعودية»، وفي البحرين، فإن كمية الطعام الملقاة في النفايات يوميا خلال شهر رمضان تتجاوز 400 طن بناء على معلومات من وحدة التخلص من النفايات التابعة للمجلس الأعلى للبيئة في البحرين، وفي ماليزيا قدرت هيئة إدارة المخلفات الصلبة والتطهير العام الماليزية حجم الطعام المهدر خلال شهر رمضان بنحو 270 ألف طن يوميا!
نحتاج إلى مراجعة أنفسنا بأن هذا الشهر لا يحتاج لكل هذه الهالة والمبالغة بالطعام بقدر ما يحتاج إلى استعدادات روحية ودينية في الزهد وتذكُّر الفقير والجائع، وأن يكون محطة مراجعة لما نهدره من شهور العام، لا أن يكون هو شهر الهدر الكبير للطعام.
[email protected]