احتل الكيان الإسرائيلي أراضي العرب، وبعد أن فقد العرب الأمل في استرجاعها، بدأت سلسلة مفاوضات سلام وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام وكأن العرب قالوا لإسرائيل: «أعيدوا لنا أرضنا التي احتلت بعد 1967 ونعطيكم سلاما»، ولذا بقيت الأطراف العربية تطالب إسرائيل بالالتزام بقراري الأمم المتحدة 242، 338، واعتبار القدس والجولان والضفة العربية وغزة أراضي محتلة، وبقي الإسرائيليون على موقفهم في المماطلة وعدم الوفاء بالوعد، وتحول الأمر تدريجيا إلى امتلاك الأرض بالقوة وفرض الأمر الواقع بدعم داخلي شعبي ورسمي، ثم أميركي باعتراف ترامب مؤخرا بأن الجولان أرض إسرائيلية!
تواكب الرفض الإسرائيلي الرسمي لتسليم الأرض مقابل السلام مع المزاج العام الشعبي الإسرائيلي، وهو ما أكدته سلسلة استطلاعات الرأي على مدار عقود بما يتعلق بالجولان على سبيل المثال، ففي يناير 1979 لم يكن 80% من اليهود الإسرائيليين مستعدين لإعادة أي جزء من مرتفعات الجولان إلى سورية، وخلال الفترة من أغسطس - أكتوبر 1994 تم إجراء مسح مؤشر السلام Peace Index الذي أجراه معهد إسرائيل للديموقراطية وجامعة تل أبيب، والذي تضمن سؤالا حول «مدى استعداد المستجيبين لإعادة مرتفعات الجولان إلى سورية إذا كان مثل هذا الفعل مرتبطا بمعاهدة سلام كاملة بين إسرائيل وسورية بما في ذلك العلاقات الديبلوماسية والتجريد من السلاح وضمانات الأمن الدولي»، فعارض ما بين 43 - 45% من اليهود الإسرائيليين أيضا رد أي جزء من مرتفعات الجولان، وفي المرحلة الثانية من مؤشر السلام الذي تم إجراؤه خلال الفترة من ديسمبر 1999 - يناير 2000، تم سؤال العينة حول «مدى استعداد الإسرائيليين لإعادة مرتفعات الجولان مقابل إبرام معاهدة سلام»، عارض أيضا حوالي 54% من اليهود الإسرائيليين، وارتفعت هذه النسبة في عام 2011، ومع تكرار السؤال مرة أخرى في عام 2012، ولكن في أعقاب حدوث بعض التغيرات السياسية في المنطقة، والتي كان من أبرزها الأزمة السورية وظهور تنظيم الدولة «داعش» زادت نسبة الرفض عند سؤالهم نفس السؤال، حيث ارتفعت إلى 77% في ذلك الوقت.
وفي عام 2016 ومع إعلان رئيس الوزراء نتنياهو أن إسرائيل لن تتخلى أبدا عن مرتفعات الجولان، تم طرح سؤال حول «مدى ضرورة إرجاع الجولان إلى سورية بسبب مستقبل سورية بعد الحرب الدائرة فيها»، والتي صرح فيها 47% من الإسرائيليين بأنه ضروري، أما مؤخرا في عام 2019 ومع التصريحات الأميركية بأن الجولان ملكا لإسرائيل، تم إجراء دراسة استقصائية من معهد إسرائيل للديموقراطية وطرح سؤالا حول ما إذا كان «اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية كان مفيدا أو ضارا بمصالح إسرائيل»، فجاءت أغلب الاستجابات تؤيد تلك التصريحات وترى أنها في صالح دولة إسرائيل.
لا يخفى على المدقق في تلك النتائج أن التمسك بعدم إرجاع الجولان مقابل السلام داخل الرأي العام الإسرائيلي يزداد على مدى العقود الأربعة الماضية مدعما بإرادة رئيس وزراء متطرف ورئيس أميركي متهور تعبر عن مرحلة فرض الأمر الواقع بالقوة دون التفات لأي اتفاقات ولا عهود «ولتذهب أحلام العرب إلى الجحيم».
[email protected]