أتجاوز ما ذكرت في مقالات سابقة عن أرقـــام مفجعة حول هدر الطــعام بشـــكل عام عالميا وفي بعـض الـــدول العربية إلى ما هو أكثر فجاعة في الهدر والتبذير والإسراف في شهر رمضان، حيث المشكلة أكبر والأرقام تزداد بشاعة اتباعا لثقافة استهلاكية تتخطى حدود المنطق والدين!
تخيلوا في دولة صغيرة مثل البحرين، تتجاوز كمية الطعام الملقاة في النفايات يوميا خلال شهر رمضان 400 طن بناء على معلومات من وحدة التخلص من النفايات التابعة للمجلس الأعلى للبيئة في البحرين، وفي ماليزيا قدرت هيئة إدارة المخلفات الصلبة والتطهير العام الماليزية حجم الطعام المهدر خلال شهر رمضان بنحو 270 ألف طن يوميا، وتقوم دولة قطر بالتخلص من نصف الطعام المعد يوميا خلال شهر رمضان، وفي إمارة دبي، كانت 55% من النفايات المنزلية من نصيب الطعام تبعا لبلدية دبي، وهو ما يقارب 1.850 طن من الطعام يوميا خلال شهر رمضان، وإجمالا يمكن القول إنه تقريبا نحو خمس المواد الغذائية التي يتم شراؤها أو التي أعدت خلال شهر رمضان يتم هدرها، وهذا يمثل آلاف الأطنان من المواد الغذائية الثمينة التي كان يمكن استخدامها لتغذية عشرات الملايين من الجياع في الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأماكن أخرى.
كل هذا كان له تكلفته اﻹضافية عن تكلفة هدر الطعام، حيث يصاحب ذلك الهدر مزيد من ارتفاع نسب النفايات الغذائية، التي بدورها إذا تحللت تسببت في مشكلات بيئية خطيرة، وهو ما أدى ببعض الدول العربية من زيادة أعداد وساعات عمل عمال النظافة خلال شهر رمضان للتعامل مع تلك النفايات الغذائية والحفاظ على سلامة ونظافة الشوارع، هذا فضلا عن تكلفة جمع النفايات التي تقدر بحوالي 410 مليارات دولار سنويا على المستوى العالمي.
ترتبط ثقافة هدر الغذاء في رمضان بسلوك المستهلك، وتبني قيما استهلاكية سلبية، تتعلق بمسألة التباهي والإسراف في استهلاك الطعام مع حالة الجوع المؤقت بالنهار، فضلا عن التمسك ببعض العادات والتقاليد التي يتسم جزء منها بالإسراف الزائد، والذي تستغله مختلف وسائل الإعلام بقوة باستخدام شتى فنون الدعاية، لتحويله إلى مناسبة لترويج السلع الغذائية لدرجة اختراع سلع تم تسميتها بـ «السلع الرمضانية»، وهو ما عمل بطبعه على إخضاع المشاعر الدينية والقيم الاستهلاكية للاستغلال كوسيلة من وسائل توسيع السوق والترويج للكثير من المنتجات الغذائية مع أننا في شهر الجوع والزهد!
[email protected]