لأن المؤسسات الإنسانية هي الأكثر ثقة بين مؤسسات القطاعات الأخرى، فإن سمعتها هي أهم الأصول الحقيقية لها، لتحافظ على ما يقدمه المتبرعون والجهات المانحة لها من أموال وإدارتها بنزاهة وشفافية، ولذا لابد من اعتماد سياسة خاصة لمكافحة الفساد، تكشف عن التجاوزات بطريقة منظمة، تجمع بين طرق متنوعة في وضع السياسات وطلب الآراء، واستقبال الشكاوى، وتوعية الموظفين والشركاء!
تبنت عدة منظمات سياسة خاصة بها لمكافحة الفساد تثير الإعجاب، ولم تخجل من إعلانها للعامة والخاصة عن هذه السياسات، ومنها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)، والذي نتعرض لتجربته هنا كنموذج جيد يمكن الاستفادة منه، وباعتباره أكبر الشبكات الإنسانية في العالم.
تبنى الاتحاد، سياسة خاصة للوقاية من الاحتيال والفساد المالي والسيطرة عليهما، وهي ملزمة لجميع الموظفين، ومدرجة ضمن التعاقدات مع جميع الشركاء، لضمان تعاونهم في تطبيقها، تقوم على نمطين من الرقابة داخلية وخارجية، فأما الرقابة الداخلية فيتم تأمينها بتعاون مختلف الأجهزة: الأمين العام وفريقه، الموارد البشرية، المالية، وحدة التأمين، إدارة التدقيق والمخاطر وغيرها، في نشر سياسة الوقاية من الاحتيال والفساد، وإدماجها في جميع الإجراءات الإدارية والمالية والعمليات الميدانية، ومحاسبة الموظفين الذين لا يبلغون عن أي شكوك حول ما قد يكون ممارسات احتيالية أو فاسدة.
وأما الرقابة الخارجية، فيتم تحقيقها عن طريق المدققين الخارجيين، والملزمين في حال اكتشاف أي حالات احتيال برفع تقرير إلى الأمين العام، إضافة الى إلزام الشركاء في التعاقدات، بفتح سجلاتهم، والتأكيد على عدم انخراطهم سابقا أو مستقبلا في الاحتيال والفساد.
وتلزم جميع الأطراف المنخرطة في العمل، داخلية وخارجية، في حال المعرفة أو الاشتباه بحدوث احتيال أو فساد، بالإبلاغ الفوري من خلال قنوات محددة، مع ضمان سرية المعلومات، وحماية هوية المبلغين عنها، واتخاذ تدابير مناسبة لحمايتهم من الانتقام، وحماية البيانات المتعلقة بحالات الاحتيال والفساد، وإجراء تحقيق سريع وفعال مع المشتبه بهم، وفق معايير معتمدة، وفي حال الإدانة يتخذ الإجراء التأديبي المناسب، الذي قد تتبعه إجراءات قانونية أخرى.
يبقى القول إن هذه الإجراءات والسياسات عمل بشري، وقد يعتريها العجز أو الفشل عن تحقيق مقاصدها، بما يؤكد ولا ينفي الحاجة إليها، وضرورة تطويرها والارتقاء بها، وكما قد تبدو هذه الجوانب والمواضيع مزعجة للبعض حتى من مجرد سماع العنوان، لكن الإعلان عنها وتوضيحها وتطبيقها ضرورة ملحة، حتى تبقى مؤسسات العمل الإنساني منارة ومثالا يحتذى بين القطاعات الأخرى التي نخرها الفساد!
[email protected]