عقب إلقاء محاضرة عن استخدام استطلاعات الرأي في تحقيق السلام والاستقرار في مؤتمر جمعية بحوث المنظمات غير الربحية والعمل التطوعي، بادرني أحد الحضور، والذي كان واضحا من سحنته ومن أفكاره ومكان عمله أنه إسرائيلي، بسؤال إنكاري: «ما دام هذا الحماس للسلام موجودا، وما دمت تتحدث عن استخدام استطلاعات الرأي لترويجه، فلماذا تشذ الكويت عن محيطها في موقفها من الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟!»، وبتعبير آخر فهو قد استهجن أن أتحدث عن السلام، وأنا أمثل مركزا بحثيا في دولة يعتبرها هو مناكفة للسلام!
يبدو أن الإسرائيلي الذي فرد عضلات لسانه علينا، مستثمرا تواجده في بلاد العم سام (الحليف الأكبر لكيانه المغتصب)، كان يشير إلى مواقف الكويت عامة، ولاسيما أثناء فترة عضوية الكويت غير الدائمة في مجلس الأمن، وبشكل خاص مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي، الذي بات، ومن خلال مواقفه على امتداد أكثر من عامين، علما على الموقف الكويتي الرافض للتطبيع مع «إسرائيل»، بعد طرده الوفد الإسرائيلي من مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي، ووصفه للإسرائيليين بالمحتلين وقتلة الأطفال، وانتقاده لإسرائيل بعدها في مناسبات أخرى، وكان أخرها قبل أيام بإلقائه وثيقة صفقة القرن في الزبالة، خلال الاجتماع الطارئ الثلاثين للاتحاد البرلماني العربي الذي انعقد أول من أمس في الأردن.
استهللت إجابتي بالقول: إن موقف الغانم يأتي متوافقا مع طبيعة النظام السياسي في الكويت، والذي يتيح سقفا عاليا نسبيا من حرية الرأي والتعبير، سواء لعامة الناس أو السياسيين، في الحكومة أو البرلمان، كما أن الكويت جغرافيا جزء من الجزيرة العربية مهد العرب والإسلام، إلى جانب ميراث الكويت التاريخي في العلاقة مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، فقد استقبلت الكويت الفلسطينيين منذ ما قبل نكبة عام 48، ونما عددهم فيها حتى باتوا، في فترة من الفترات أكبر الجاليات العربية فيها وتأثيرا في نهضتها الحديثة، فما تكاد تجد كويتيا إلا وله ذكريات مع فلسطيني، مدرسا ومهندسا وطبيبا، ومن الكويت انطلقت في عام 1965 حركة فتح كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية، فضلا عن الدعم السياسي والمالي الكويتي للفلسطينيين بكل أطيافهم.
ولكنني وجدت أن أفضل ما أرد به عليه، أنني ورغم دعوتي للسلام وحماسي له، ومتعتي في استعماله كتحية، إلا أن ذلك كله لا يعني أن يكون السلام مطالبة، لمن وقع عليه الظلم تحديدا، بتقديم التنازلات! واستطردت بسؤاله، ماذا تريدني أن أقول لك؟ إنني كأردني الأصل والنشأة ولدت وترعرعت في بلد يعود نصف سكانه إلى أصول فلسطينية، من المهجرين عام 48 ثم عام 67، ممن يتذكرون ويحنون إلى أرضهم وقراهم التي هجروا منها، والتي تحولت إلى مستوطنات، كيف لي أن أطالب هؤلاء، ورغم ما لحقهم من ظلم، أن يدعموا سلاما يبيع أراضيهم! إن تحقيق السلام الذي أدعو إليه لا يعني تزوير الحقائق، وتغييرا قسريا للرأي العام، وتبنيا لقراءة الآخر للتاريخ، ودعوة للمظلوم والمعتدى عليه أن يضحي ويتنازل!
لعل الإشكال الأكبر عند هؤلاء ومن يؤيدهم في الغرب، أنهم يبنون رؤيتهم للتاريخ والواقع والقيم بناء على أطروحات توراتية، تطفح بالعنصرية والاستعلاء واحتقار الآخر، فتجعلهم لا يرون إلا ما يعتبرونه حقهم، وما يحفظ أمنهم ورخاءهم هم فقط، في تجاهل كلي لحقوق وآلام ومعاناة الآخرين!
لقد كانت الحجة الأخيرة، محور العديد من الحوارات التي خضتها في الغرب حول الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتحديات السلام، وأساسا لاستراتيجية «الهجوم خير وسيلة للدفاع» في الدعوة إلى السلام، ولطالما ألقيت الكرة في ملعب الآخرين، من أميركيين وإسرائيليين، بسؤالهم، كيف تبررون الظلم؟ وكيف تريدون تحقيق السلام مقترنا بالظلم؟ وماذا تصنعون بمن هجروا من أرضهم، وقتل أقاربهم في المذابح، وممن يجرفهم الحنين إلى أرضهم المسلوبة؟ كيف لكم أن تطالبوا هؤلاء بقبول السلام الذي يغفل معاناتهم وآلامهم؟ وثم تنكرون عليهم حقهم في المقاومة لآخر رمق؟!
[email protected]