تعاملت مع أميركيين من ذوي البشرة السوداء أو الأفارقة في مرحلة مبكرة من حياتي أثناء الدراسة في مدارس أميركية منتصف الثمانينيات، ودرسنا وقتها الرواية الواقعية المشهورة «أسود مثلي» «Black Like Me»، والتي ترجمت لعشرات اللغات وحولت الى فيلم سينمائي، وبيعت منها أكثر من 10 ملايين نسخة.
تسجل الرواية تجربة مؤلفها جون غريفن John Griffin، في نهاية خمسينيات القرن الماضي، كرجل أبيض متعلم، قرر القيام بتجربة فريدة ليتعرف بنفسه على المعاناة اليومية للرجل الأسود في بيئة تطفح عنصرية وكراهية، فقام بتغيير لون بشرته الى السواد بما في ذلك من ألم، وقرر أن يتوجه الى مسيسيبي معقل العنصرية آنذاك، ويسجل تجربته بطريقة مشوقة، رغم معاناتها!
استمر ارتباطي مع هذه الفئة بعلاقات أكاديمية وبحثية، بهدف التعرف على آرائهم، في كتابين: «الصراع العربي -الإسرائيلي في استطلاعات الرأي الأميركية»، و«كيف ينظرون إلينا: الإسلام والمسلمون في استطلاعات الرأي العالمية»، وقد كانت الأرقام باستمرار تشير إلى تعاطف هذه الفئة مع العرب والمسلمين وقضاياهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية، رغم أنهم أقل معرفة بالنواحي السياسية من البيض، بما فيها تلك المتعلقة بالشأن العربي.
هذه النتائج تركت أثرها في نفسي، وزادت من تعاطفي مع قضاياهم، والتعامل معهم، ولا أخفي سرا بفرحي بالتعامل مع الموظفين السود، على الرغم من ودية التعامل والاحترام التي يتصف بها الأميركيون بشكل عام.
يشعر الأميركيون السود بالظلم والتهميش، فرغم أنهم يشكلون 12.5% من المجتمع، إلا أنهم لا يحظون بتمثيل سياسي أو حصة في الثروة القومية بما يتناسب مع هذه النسبة، وهم الأكثر معاناة من مشاكل الفقر والبطالة.
يبدو أن تعرض الأميركيين السود للاضطهاد والتهميش قد كان من أسباب التعاطف مع حقوق الشعب الفلسطيني وكفاحه ضد الكيان الصهيوني، واعتبار نضاله جزءا من معركة عالمية ضد الإمبريالية ومزاعم تفوق الجنس الأبيض، وهو الأمر الذي فصل فيه كتاب «حركة القوة السوداء وفلسطين: دول اللون العابرة للقوميات»، والذي بحث في العلاقة بين نضال حركة «القوة السوداء» الأميركية من أجل إقرار الحقوق المدنية للأميركيين السود ونضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، إضافة إلى إحساس الأميركيين السود بأنهم «شعب محتل» يعاني من ازدواجية المعايير، تماما كحال الشعب الفلسطيني!
إن معاناة الأميركيين السود، المستمرة منذ زمن بعيد، ومواقفهم المتعاطفة مع القضايا العربية، لا تبرر لنا فقط بل وتلزمنا باتخاذ مواقف متعاطفة ومؤيدة لهم ولحقوقهم، وإدانة الحوادث المتكررة للاعتداء على وجودهم وإنسانيتهم، والتي كان آخرها مقتل الأميركي ذي الأصول الأفريقية جورج فلويد على يد رجال شرطة في مدينة منيابوليس، والذي أشعل موجة احتجاجات في مختلف المدن الأميركية مازالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور، والتي قد تزيد من سياسات ترامب العنصرية.
[email protected]