أثناء دراسة تتناول بيئة العطاء الخيري العالمي Global Philanthropy Resources Inflows Index لجامعة أنديانا الأميركية، طرحنا عدة أسئلة، على نخب متنوعة، عن الموروثات المحفزة للعمل الخيري الكويتي، فجاءت الإجابات مؤكدة لوجود إرث ثقافي وديني محفز على العمل الخيري، تتداخل فيه عوامل عدة من أهمها: الثقافة الإسلامية التي تحض على الإنفاق والتكاتف، بالإضافة إلى التاريخ الكويتي والعلاقات الاجتماعية بين أبناء العشيرة، حيث عرف المجتمع الكويتي «الفزعة» التي كانت الدافع له فيما بعد لممارسة العمل الخيري، وهو الأمر الذي تجسد في أقوال موروثة عديدة مثل «ادفع حلواها تدفع بلواها»، وكما ذكر المؤرخون، فإن الشيخ جابر بن عبدالله الصباح (1859- 1814) ثالث حكام الكويت قد لقب بـ «جابر العيش»، والعيش هو الأرز في اللهجة الكويتية، وذلك لأنه كان يقوم بعمل الموائد للفقراء بجانب قصره، وفي عام 1867 حل الجفاف، وحدثت مجاعة دفعت بأعداد كبيرة من سكان بلاد فارس إلى النزوح إلى الكويت، التي قدمت المال والطعام والمأوى للنازحين خلال فترة الجفاف التي استمرت ثلاث سنوات.
ومن هنا لم يكن من الغريب قدم مأسسة العمل الخيري الكويتي، حيث تأسست أول جمعية خيرية نظامية في الكويت عام 1913، وفي عام 1948 ظهرت «لجنة جمع التبرعات الشعبية لمساندة فلسطين»، التي تتبع حاليا لغرفة تجارة وصناعة الكويت، وقد قامت قبل سنوات بجمع نحو مليوني دينار كويتي من المقتدرين، ومولت بها جمعية الرحمة العالمية لبناء مجمع تنموي كبير في الصومال، ومنذ وقت مبكر في تاريخ الكويت، تمت صياغة وإصدار أول قانون متعلق بالعمل الخيري عام 1959!
ثم نما العطاء الخيري بعد ظهور الثروة النفطية، حيث ساهمت أغلبية المجتمع الكويتي في كفالة الأيتام وإقامة المشاريع الخيرية في بلدان أخرى، كما أن مصداقية الجمعيات الخيرية الكويتية التي ظهرت لاحقا قد زادت من الإقبال على التبرع للعمل الخيري.
ومن بين التفسيرات، لإقبال الكويتيين على العطاء، ما ذكره لي أحد المهتمين من أن الكويت، قبل اكتشاف النفط، قد عانت من العوز والظروف المعيشية الصعبة حالها حال معظم بلاد الخليج العربي والمنطقة العربية، مما جعل الكويتيين يستشعرون معاناة الآخرين ويرغبون في مساعدتهم، أما بعد الوفرة المالية فإن عقد مقارنة بين الاحتياجات الإنسانية داخل الكويت وتلك خارجها، حيث فقدت أبسط الاحتياجات الإنسانية الأساسية، تجعل المتبرع الكويتي يتعاطف أكثر مع تقديم التبرعات للخارج، ولذا فإن بعض الأصوات التي تطالب بتوطين الإنفاق الخيري الكويتي قد صدمت أمام المتبرع الكويتي نفسه الذي يصر على تدفق عطائه وخيره إلى كل أنحاء المعمورة!
[email protected]