هاتفت إحدى الموظفات في جامعة أميركية وكان يفترض أن يرن هاتف مكتبها، وإذ بها تستقبل المكالمة في غرفة معيشة منزلها، التي تحولت إلى مكتب، عن طريق برمجيات خاصة بتحويل المكالمات، وهكذا فعلت جائحة كورونا بالكثيرين مثلها حين فرضت ضرورة العمل عن بعد، في ظل إجراءات الإغلاق لمواجهة الوباء!
أثناء فترة الحظر أجريت مقابلتين إعلاميتين، وقد قدم لي منسق الفضائية نصائح وتوجيهات عن المكان الذي أجلس فيه، وطريقة ضبط الهاتف والكمبيوتر بالشكل المناسب للقاءات التلفزيونية، والتي باتت هي والمؤتمرات، تتم عبر التطبيقات الخاصة بالاجتماعات، وتجاوزت برنامج سكايب، حيث قفز لقمة الجبل تطبيق Zoom، وهكذا تحولت المنازل إلى مكاتب وقاعات اجتماع!
برغم كل هذه الحلول التي قد تناسب أعمالاً دون أخرى، أفرزت جائحة كورونا آثاراً اقتصادية جسيمة، دفعت أصحاب الأعمال إلى طرح بدائل وحلول لمواجهتها، كان أمرّها الاستغناء عن أعداد كبيرة من الموظفين.
ورغم أن الجائحة قد أضرت بمختلف القطاعات بدرجات متفاوتة، إلا أن قطاعات معينة بعينها، مثل: السياحة والسفر، الطيران، الفنادق، التصدير، والتجارة والخدمات، كانت الأكثر تضرراً، وربما تحتاج إلى سنوات للتعافي من آثار الجائحة، ومثل هذه المجالات لن يصلح معها خيار العمل عن بعد!
كنت ضمن فريق خاص، بتطوير سياسات العمل عن بعد، في إحدى الجهات، وتطلب الأمر إجراء استطلاع رأي الموظفين كأحد المدخلات، وكان من بين أسئلته «هل تريد الاستمرار في العمل عن بعد؟» حيث أجابت الأغلبية بالموافقة بين الجزئي والكلي أو حسب المعطيات الصحية، وهناك نسبة 5.2% ممن يرفضون العمل عن بعد تماماً، وفي ضوء هذه النتائج وصعوبة العودة للوراء، بعدما اعتاد البعض على العمل عن بعد، خرج من رحم هذه الدراسة كما سيخرج من غيرها تأطيرٌ أوسع للعمل عن بعد.
وفي استطلاع أجرته مؤسستا Buffer و AngelList عن «حالة العمل عن بعد لعام 2020»، طرح على المستجيبين سؤال «هل ترغب في العمل عن بعد، لبعض الوقت على الأقل، لبقية حياتك المهنية؟»، وكانت نسبة الموافقة 98%.
كما أشار استطلاع للرأي، أجري مؤخراً لصالح صحيفة «إندبندنت» البريطانية، الى أن 44% من الأشخاص الذين ملأوا استبياناً وضعته «دايركت لاين» Direct Line قالوا إن العمل من المنزل، أقله بعض الوقت، يجب أن يكون خياراً دائماً، ووفق هذه الشركة العاملة في مجال التأمين، قال واحد من كل 12 شخصاً إنه سيطلب من ربّ عمله أن يسمح له بالعمل عن بعد بدوام كامل، على الرغم من أن العمل من المنزل ليومين في الأسبوع كان الخيار الذي حظي بالشعبية الأكبر.
يبدو أن هناك رغبة في العمل عن بعد عند كثير من الموظفين التي تسمح وظائفهم بذلك، تقابلها رغبة كبيرة عند أصحاب الشركات للاستغناء عن كثير من الموظفين، فلعلنا نستطيع الوصول إلى حل توافقي، بأن تتم دراسة حالة كل موظف، وإذا توافرت المعطيات، يتم تكليفه بالعمل - بشكل جزئي أو كلي - عن بعد مع تخفيض الأجر بنسبة 20% مثلاً، واعتقد أن هذا الحل سيحظى بموافقة الموظفين وأصحاب الشركات، فهو يحقق مكاسب للجميع!
وإذا تبنت الشركات حل خيار العمل عن بعد، ولو بأجر أقل، فإن ذلك سيكون أهون ضرراً على الموظف من الاستغناء عن خدماته بالكامل، خاصة في ظل الصورة القاتمة التي رسمتها منظمة العمل الدولية، والتي توقعت أن تؤدي أزمة وباء كورونا المستجد إلى إلغاء 6.7% من إجمالي ساعات العمل في العالم في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل!
[email protected]