رغم التعهدات بملايين الدولارات لمعالجة تداعيات انفجار مرفأ بيروت الكارثي، إلا أنه وفي حدود بحثي عن الجهود الإغاثية حتى اللحظة، ما زالت أعمال الترميم وإعادة البناء متواضعة مقارنة بغيرها من أعمال الإغاثة في الطعام والعلاج، ومازالت الجهات الإنسانية الكبرى تشق طريقها بصعوبة لسد هذه الفجوة التي قد تبدو سهلة ولكنها ليست كذلك لعدة أسباب!
فعملية الترميم تنقسم إلى ثلاث مراحل، لا تزال الجهات المختصة في المرحلة الأولى، أي المسح ومعاينة الأضرار، أما المرحلة الثانية فهي تدعيم الأبنية الآيلة للسقوط، والترميم الأولي وتأمين المسكن، أما المرحلة الثالثة فهي إعادة البناء.
يقدر عدد المباني المتضررة بنحو 40 ألفا، تشمل 200 ألف شقة سكنية، تتراوح الأضرار فيها بين تلك البسيطة والدمار الكلي، وتتراوح تكلفة إعادة إعمارها ما بين 25 ألفاً و200 ألف دولار، أي حوالي ملياري دولار، وفقا لتقديرات نقيب المقاولين في لبنان مارون الحلو.
لكن الانهيار الاقتصادي، الذي يعيشه لبنان منذ ما قبل الكارثة الأخيرة، أضر بدخول السكان وقدرتهم الشرائية، مما يعوق من قدرتهم على إصلاح الأضرار حتى لو كانت الأماكن المتضررة في أماكن حيوية في بيروت، فمنهم من لا يملك القدرة المالية أصلا، ومنهم من زال ماله محجوزا في البنوك، كما أن انخفاض سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار رفع كلفة المواد الأولية اللازمة للإصلاح بصورة كبيرة، فضلا عن شح هذه المواد أساسا في السوق بسبب أزمة السيولة في العملة الصعبة التي يحتاجها المستوردون.
ورغم الإجراءات الحكومية الأخيرة لضبط أسعار مواد البناء، وأهمها مواد الألمنيوم والزجاج، منعا لاستغلال البعض لحاجة المواطنين المتضررين لترميم مساكنهم ومكاتبهم ومصالحهم، إلا أن الأسعار بقيت بعيدة عن متناول الكثيرين.
لا شك بأن الجهات الخيرية الكويتية والخليجية والمنظمات الدولية المتخصصة في مجال الترميم وإعادة البناء مثل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UN Habitat ستنخرط في إعادة تأهيل منازل متضررة، إلى جانب ما أعلنته منظمة اليونيسكو من أنها ستقود التحرك الدولي لاستعادة وإعادة إعمار 640 من الأبنية التراثية التي تضررت جراء الانفجار، ولكن التنفيذ لن يكون بهذه السهولة، فضلا عن الضبابية التي تنتاب تكلفته لما ذكرنا من أسباب.
وتذكر هنا تلك الجهود المحلية في الترميم، التي قامت بها جمعية «فرح العطاء»، ومبادرة غرفة بيروت وجبل لبنان لمساندة إعادة تأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولجنة الاختصاصيين والخبراء التي شكلتها المديرية العامة للآثار التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية، للاهتمام بترميم المتاحف والمنازل التراثية.
ويضاف إلى قائمة التحديات، التي تواجهها عملية الترميم وإعادة الإعمار، القشة التي قصمت ظهر البعير بتعطل أعمال المرفأ بسبب الدمار الذي حل به، والذي ضرب الاقتصاد اللبناني ضربة قاصمة، فأكثر من 80% من إجمالي واردات لبنان يتم استيرادها من خلاله، وهو كذلك يوفر أكثر من 70% من مداخيل لبنان الجمركية، وقد دمر 80% منه بالكامل، والـ 20% المتبقية لحقت بها أضرار كبيرة، وفي ظل الأزمة المالية التي يعيشها لبنان فإن إعادة إعماره تبدو عملية معقدة، وستتطلب أموالا طائلة ووقتا طويلا.
إن كل الأسباب السابقة تظهر بوضوح حجم العبء الهائل الملقى على عاتق المنظمات الإنسانية، والعوائق التي تواجهها في سبيل إعادة إعمار مساكن بيروت الجريحة، والأخذ بيد سكانها لاستئناف حياتهم مجددا بشكل طبيعي.
[email protected]