تطلب مني مشروع بحثي إجراء مقابلات مركزة مع بعض القيادات والعاملين في منظمات إنسانية وإغاثية، ممن يتعاملون مع مختلف الفئات المحتاجة من الفقراء والمساكين والأيتام والجوعى والمنكوبين والمشردين واللاجئين، طرحت خلالها مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بعملهم وحياتهم!
وقد ذكر أحدهم أمرا مازال صداه يتردد في بالي، حين وصف كيف أن وضعه النفسي قد تغير إلى الأسوأ، بعد أن انتقل إلى العمل في هذا المجال، واختلفت حالته تماما عن تلك عندما كان بعيدا عن هذا القطاع، فهو عندما يتناول الطعام تقفز إلى مخيلته صور الجوعى، وإذا اغتسل أو شرب تذكر من يفتقرون إلى المياه النظيفة!
لا شك أن العاملين، في الخطوط الأمامية للعمل الإنساني، كسائر البشر، لابد أن تتأثر نفسياتهم لما يرونه في عملهم، فهم يتعاطفون مع الحالات الإنسانية التي يشاهدونها، ويدفعهم هذا التعاطف بدوره إلى التعامل مع معاناة غيرهم كما لو كانت معاناة شخصية، وإذا كان بعض العاملين في قطاعات أخرى يتقاضون بدلا للنقل أو المخاطر، فإن من الأولى أن يتقاضى العاملون في القطاع الإنساني بدلاً عن الاكتئاب، فهم يعانون ويعايشون قدرا كبيرا من الحزن والمآسي لا يعرفه غيرهم، بالرغم من سعادتهم بمساعدة الآخرين!
يذكر هنا أن مدير إحدى المنظمات الإنسانية قد وجه دعوة لأحد الأشخاص لزيارة أفريقيا، والاطلاع على مشاريع المنظمة هناك، وكان يجزم، من تجربة سابقة له، بأن نفسية الضيف ستتغير كثيرا بعد الزيارة ومشاهدة الحالات والاحتياجات الإنسانية هناك، وفي السياق نفسه، أشارت مديرة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية إلى كيفية تأثرها النفسي عند رؤية آلاف اللاجئين بدون مأوى!
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، عن الموارد المائية 2018، هناك أكثر من ملياري إنسان يفتقدون سبل الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، ويعاني أكثر من 820 مليون من الجوع حسب التقرير السنوي لحالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، وغيرهم من ملايين البشر الذين يعانون بسبب الكوارث الطبيعية والنزاعات العسكرية، ويتعامل مع هؤلاء عشرات الآلاف من العاملين مع مختلف المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، ممن يستحقون خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، إلى جانب التقدير المالي لضمان استقرارهم النفسي واستدامة قدرتهم على العطاء، فلا يعقل أن يكون هؤلاء أول المستجيبين لتخفيف معاناة الآخرين وآخر من يهتم الآخرون بمعاناتهم!
[email protected]