تعالت الأصوات واختلفت الروايات وتباينت التكهنات حول مرسوم الضرورة وضرورة المرسوم المتوقع صدوره قريبا بتقليص حق الناخب من اربع اصوات الى صوت واحد، وانقسمت الرعية بين مؤيد ومعارض، ونصبت لليلة الدهماء المنابر، ودهنت لذلك اليوم الحناجر، وعظمت في عين الصغير الصغائر، وانغمست الاقلام في المحابر، ودارت عجلة المطابع، تلاحق الاصوات وبانت النوايا وانكشفت الرزايا، وأصبح لكل منا حق معلوم بالمدح والقدح. وبما ان الكويتيين قوم اعتادوا كثرة الجدل وقلة العمل، فأنا على دين قومي، لذلك شمرت عن ذراعي واقتفيت اثرهم ودخلت دائرة الجدل كوني جدليا بحكم المواطنة، فأقول قولي هذا وأسأل الله لي ولكم جدلا نافعا لن تظمأوا بعده ابدا بعيدا عن السفسطة والتنظير والتكعيب والتشعيب. أما بعد، فيأيها القوم اسمعوا وعوا، فالمنطق يبلغكم السلام ويقول ان للضرورة احكاما يقدرها رأس الدولة وهو صاحب السمو الامير، وسموه لا يأمر إلا بخير، ولا يفكر إلا في سخاء ورخاء هذه الامة، فقد غمر بخيره بلاد ما وراء البحار، فكيف به نحو بلاده وشعبه وهو المفاخر بهما الامم. ومن يجادل صاحب السمو الامير في تقديره للأمور وينازعه حقه فما هو الا ضال باغ، عليه من الله ما يستحق، فإذا اختلفنا في شيء فلا نجد سوى سموه من ينظر للأمور بتجرد دون مصلحة شخصية او هدف حزبي او طائفي، فكلنا امامه سواسية رائدنا عدل وحكمة سموه، فكم من مرة ادلهمت الامور ولم نجد سواه يحل العقد العاصية، وإن كان مرجعنا الدستور كما يزعم البعض احترامه بحسبان انه الشريعة التي ارتضيناها حكما بيننا فإن الدستور قد اعطى لسمو الامير الحق بنص المادة 71 في اصدار المراسيم بما له من سلطة تقديرية، وللبرلمان بعد ذلك ان يمارس رقابته السياسية على تلك المراسيم من النواحي الموضوعية والإجرائية، فإما ان يقبلها وإما ان يرفضها دون معقب عليه فيما بعد، وهذا ما استقرت عليه مجالس الامة السابقة وكذلك السوابق البرلمانية، فلا يمكن بعد ذلك القبول بالهمز واللمز الذي يشكك في صلاحيات صاحب السمو الامير تلميحا او تصريحا، وإن كان حق الافراد بإبداء الرأي مكفولا والمطالبة بما يرونه مقبولا، إلا ان ذلك يكون وفق القانون وفي اطار الادب والخلق الرفيع، لا ان يتجاوز البعض ويجعل من نفسه الآمر بالمعروف وغيره الآمر بالمنكر، فلا يوجد من بيننا من هو معصوم من المصلحة الذاتية او الهوى الشخصي مادمنا نمارس عملا دنيويا وسياسيا يقتضي المكسب والخسارة ويخضع لقواعد المصلحة الشخصية، وما هذا الزخم المجنون في الاعتراض على حق صاحب السمو في إصدار المراسيم إلا أحد وجوه تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، وإلا ما الذي نخشاه من مراسيم يصدرها رأس الدولة وتستهدف الصالح العام دون انحياز لفريق دون الآخر او تمييز مواطن دون سواه. ان ما يلوح به البعض وما صرح به البعض الآخر في الآونة الاخيرة أمر مستغرب وينذر بأن هناك خللا قد طرأ على عقلية من يروج لمثل هذه التلميحات، فإن كان المقام السامي محل شك بالنسبة لهؤلاء، وحاشاه ذلك، فما هم إلا الشك والشر نفسه، فلا مجال للمقارنة بين من يدعو لنفسه على المنابر من اجل مجده الشخصي ومطامعه الدنيوية وبين من يبتغي المجد لشعبه والنهوض بوطنه دون ان يكون محسوبا على قبيلة او طائفة، ولا مجال ايضا للمقارنة بين من يعمل ابتغاء رضا الله وذلك الذي يعمل لحزبه وعشيرته الاقربين، لذلك على الجميع ان يثق بأن صاحب السمو الامير لا يأمر إلا بخير، فكونوا له العون.
[email protected]