ما أصعب أن يرثي الابن أحد والديه إن كانت أمه أو أباه، فيجد نفسه حائرا في الكلمات، ويتعثر في المعاني، عاجزا عن كتابة أبسط كلمات الرثاء! فكيف به إن كان أبوه هو أب الجميع، هو من قال (هذولا عيالي)، واليوم هؤلاء (العيال) يودعون أباهم والحزن يخيّم على وجوههم والدموع تملأ محاجرهم.
ماذا عسانا أن نكتب وعن ماذا نتحدث؟ حقبة امتدت لعقود طويلة شهدت الكثير من الحوادث والقضايا، وكان المغفور له بإذن الله سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد - طيب الله ثراه - متصدرا المواقف بحكمته وديبلوماسيته المعهودة حتى سمي بالحكيم وعميد الديبلوماسية، حافظ بكل ما يمتلك من خبرته السياسية على وطننا الحبيب من كل ما كان يدور حوله في الدول المجاورة من انشقاق وفتن، استطاع بديبلوماسيته أن يجعل الكويت بمنأى عن مخططات العالم السياسية وأن تبقى دار أمن وأمان.
ولم يتوان فقيدنا الغالي، طيب الله ثراه، لحظة عن أن يشارك أبناء شعبه في السراء والضراء، فنجده أول الحضور في الأفراح، وأول المشاركين في المواساة والعزاء، وها نحن اليوم العالم بأسره يواسينا في رحيل سموه.
لن ننسى كلمات سموه وتصفيقه لنا وتشجيع الأب لأبنائه في احتفالات يوم المعلم، والذي كان لحضور سموه بالغ الأثر في نفوسنا، وكان تكريمه لنا وساما على صدورنا، حيث جعل التعليم والاهتمام بالمعلمين أولى اهتماماته، فارتبط تكريم المعلم في يومه العالمي بسمو الأمير الراحل.
لن تسعنا الصفحات ولا الكلمات أن نذكر مواقف سموه، ولكن لا بد لنا أن نذكر كيف كان جل اهتمامه هم أبناؤه في الخارج أثناء جائحة كورونا، في الوقت الذي كانت بقية دول العالم تعتذر عن استقبال رعاياها، لقد سخر كل الإمكانات لإجلاء أبناء الكويت من الخارج، ليكونوا بين أهلهم وأسرهم في شهر رمضان، فشهدنا أكبر عملية إجلاء، وشهدنا كيف كانت الطائرات الكويتية هي وحدها التي تطير في سماء الدول، وكيف توقف الناس عن العمل في المطارات وتطوع أبناء الكويت لخدمة أهلهم في تلك المطارات، كل ذلك رغبة في تنفيذ أوامر صاحب السمو الراحل طيب الله ثراه عندما نرثي الشيخ صباح الأحمد فنحن نرثي رمزا وأميرا للإنسانية، لأنه استحق هذا اللقب بجدارة لما قدمه للعالم من مساعدات إنسانية، وهي ما جعلتهم يتضرعون لله الرحمن الرحيم بالدعاء له بعد رحيله.
عندما نرثي أمير الإنسانية، نستذكر فورا أمير القلوب الراحل الشيخ جابر الأحمد والوالد القائد الشيخ سعد العبدالله، طيب الله ثراهم، حيث قاد هؤلاء الثلاثة حرب تحرير الكويت، وقادوا بلادنا إلى بر الأمان.
ولأن كلا منهم سار على نهج من سبقه من حكام دولتنا الحبيبة، وساروا على الدرب نفسه، فكانت السفينة تسير دوما إلى بر الأمان، مهما تلاطمتها أمواج الخلاف والاختلاف، فالمبدأ واحد والنهج واحد وهو حب الكويت.
وها هي اليوم سفينة الكويت تستمر وتواكب العالم بأمن وأمان شامخة بشعبها مع ربان جديد وعهد جديد بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، سائلين المولى عز وجل أن يسخر له البطانة الصالحة وأن يسدد للخير خطاه.. ويحفظ كويتنا من كل مكروه.
[email protected]