من بديهيات المنطق، وأظنه من نافلة القول، أن أي تقسيمة تفرق بين الشعب والجيش والشرطة والقضاء... إلخ في أي أمة، هي قسمة ضيزى، ذلك أن الشعب في أصل الديموقراطية منهجا، وفي الديموقراطيات الحديثة تطبيقا، هو مصدر السلطات، وكلمة الشعب تضم في معناها كل الفئات آنفة الذكر، فضلا عن المواطنين العاديين الذين لا ينتمون إلى أي منها.
هكذا، فإن رفع شعارات تتحدث عن وحدة الجيش والشعب والشرطة يضر أكثر مما ينفع، لأن الشعب ـ مرة أخرى مصدر السلطات ـ كتلة واحدة متماسكة تضم مواطنين مدنيين، وهم الأغلبية، وشرائح في خدمة الكتلة بكاملها، تضم العسكريين في الجيش والشرطة والقضاة والمعلمين وهلمّ جرا. هذه الكتلة الجمعية تحدد مسارها حسب الديموقرطية برأي الأغلبية فيها، دونما تفريق أو تفضيل لفصيل أو شريحة على آخرين.
وما استدعى هذه الفكرة، هو ما شاهده العالم في تركيا في 15 يوليو الماضي عندما وقعت حركة الانقلاب الفاشلة على يد مجموعة، لا أقول من الجيش فقط، بل كان تخطيطا شاملا من فئات مختلفة، لكنها شديدة المحدودية، من الشعب التركي.
في هذا الموقف، الكثير من الدروس التي يمكن استلهامها لبناء مجتمعات قوية، يمكنها تحقيق التنمية والرفاهية دونما تناحر أو تصادم بين مكوناتها، فلم نجد هناك من يفرق بين الجيش والشعب وما على شاكلة ذلك من الشعارات، التي ظاهرها جيد وباطنها من قبله تقسيم غير موضوعي، ذلك لأن العسكري أو الشرطي أو القاضي هو فرد من أسرة، وهم وغيرهم من الشعب يعملون لتحقيق مصالحهم جميعا، كل في موقعه وحسب إمكاناته وقدراته وما هو مطلوب منه.
رأينا في تركيا الجيش يطهّر نفسه، والمدنيين يقفون أمام الانقلابيين ولا يخشون دباباتهم، بل حتى المعارضة التي تطمح، بكل تأكيد، للوصول إلى الحكم وقفت أمام هذه المحاولة، التي كان من شأنها الإطاحة بخصومهم السياسيين ولم يقعوا في «خيبة» مباركة الانقلاب، ما دام سيخلصهم من الحزب الحاكم.
تحية للشعب التركي العظيم بكل فئاته وشرائحه، مدنيين وعسكريين شرفاء، ونحن لسنا أقل من أن نكون مثلهم.