نستكمل مقالنا حول مقومات أقوات الأرض رباعية المصدر والجزء الأخير منه بإذن الله، وكما ذكرت سلفاً أن المقومات هي المادة السوداء والنسبة والتناسب والتكرارية ورابعا كما يلي:
النظام: إن النظام عكس الفوضى، أي أن الله عز وجل جعل كل فرد من أفراد منظومة هذا الكون الشاسع العظيم يعمل على أسس نظامية معينة خاصة به تأمنه من الفوضى، والنظام هو عمل كل وحدة في الوجود بآلية معينة ومصنعية متخصصة، وذلك لإنتاج احتياجات الحياة من الأقوات المختلفة بشتى أنواعها بتكرارية متقنة ونسبة وتناسب دقيق وظلام يحتوي عمل تلك المصنعية، فسبحان الله العظيم الذي جعل لكل شيء تخصصا وهدفا، والحكمة من ذلك للتكامل المعنوي والمادي لأفراد هذا الكون مع بعضهم بعضا لأجل الهدف الأكبر ألا وهو عبادة الله الخالق مالك الملك.
فعلى سبيل المثال والأمثلة كثيرة، فلولا الشمس والقمر المختلفان في الخواص والعمل والتركيبة لما استطاع البشر حساب الوقت والأيام، لقوله تعالى (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (الرحمن:5) وقوله تعالى: (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: 40)، فلولا نظام العمل لهما لما داما كقوت من الأقوات المستفيد منهما الأرض والبشر والخليقة بأكملها، فكل يعمل على شاكلته وكل مستفيد من بعضه بعضا، فالمادة السوداء قد أمنت لها الاستقلالية وعدم الارتطام ببعضهما بعضا، والمسافات بينها إلى جانب بنيتها المادية مقدرة على أساس النسبة والتناسب، وعملها يسير وفق نظام وتكرارية متقنة، فسبحان الله أحسن الخالقين!
ومثال آخر، خلق الله النحلة من أجل صناعة شراب العسل وجعلها تعمل بمصنعية نظامية متقنة جدا يتعظ منها الإنسان، فإن اختل قانون من قوانينها فسد شرابها الذي فيه شفاء للناس، لقوله تعالى (..ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:٦٩). ومن الدراسات الأخيرة للنحل لاحظ عالم نحلة قد وقعت على خمر فسرعان ما هرع إليها أفراد خليتها لقتلها خوفا من إفسادها لشراب العسل، فمن علّم هذه المخلوقات أنظمتها التي تعمل ضمن قوانين ومقاييس خاصة بها؟ تبارك الرحمن! كما أن النظام وميكانيزم العمل والمصنعية تجري على الخلية ونواتها أصغر خلق الله فسبحان الله الخالق اللطيف المتبصر بخلقه!
فلا حياة دون نظام وقوانين، وذلك حتى تأمنها من الفوضى والانحراف والفساد، فأقوات الأرض متنوعة في الماء واليابسة وفي باطنها ومن سمائها، راجع عزيزي القارئ مقالاتي عن «المتشابهات» «ولله في خلقه شؤون»، ففيها الكثير من الأمثلة التي تعمل على أنظمة معينة، قد جعلها الله آيات للإنسان كمراجع لزيادة معرفته في الصناعة المادية والمعيشية والتفاعلية، والتي تكفل له يسر المعيش والأمن بنواحيه المختلفة.
وبهذا عزيزي القارئ ينتهي موضوع مقومات أقوات الأرض رباعية المصادر، فجميل جدا التفكر في الكون وخلق الله، حيث لا رقي ولا حضارة ولا تنمية دون ذلك التفكر، فسبحان الله عما يصفون والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.
family_science@