إن الفرق بين التنشئة والرعاية هو أن الأخيرة سد احتياجات الفرد المادية والمعنوية، أما التنشئة فهي ترويض الفرد على القيم وغرسها في نفسه وسلوكه، لذلك فإن التركيز على الأمور الصغيرة هو نتاج تربية قويمة بإذن الله، ومن أبرز تلك القيم هو الحياء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء»، وقوله في الصحيحين: «الحياء شعبة من الإيمان» والسؤال يكمن في: لماذا الحياء من أبرز القيم ولماذا هو خلق الدين؟، تلك الثقافة الغائبة عن الغالبية العظمى من الناس والتي يفتقر لها الكثير.
الحياء عكس الخجل، ويعني الحياء ترك القبيح خوفا من اللوم منه، كما يعني اجتناب القبيح من اللفظ أو السلوك خوفا من الإضرار، فعلى سبيل المثال ما قيل في الأثر: «كل ما أخذ بسيف الحياء حرام»، ومعنى ذلك أخذ ما بيد الغير من باب الاستغلال والإحراج، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الحياء كله خير»، والأمر الأكثر ضرورة وخطورة أن الحياء إن لم يغرس في الصغر فلن يصل الفرد لمرحلة الرشد والنضج في العمر المفترض له، فالنضج يعني البصيرة في الأمور، لربما أفراد قد بلغوا سن الأربعين والخمسين والستين وهم لايزالون متخبطين في قراراتهم وسلوكياتهم ويفتقرون للبصيرة، والنضج يكون بحكمة الشخص في معالجة الأمور «راجع عزيزي القارئ مقال يؤتي الحكمة لمن يشاء»، وهذا لا يحدث إلا باكتساب الفرد حصيلة قيم عالية، قال عمر رضي الله عنه: «من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه» والقلب مقر البصيرة، لقوله تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (الحج: 46)، وكما قال الحكيم «إذا ذهب الحياء حل البلاء»، حيث إن الحياء من صفات الخالق عز وجل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين»، ومن أجمل القيم والأخلاقيات التي يكتسبها الفرد تكون من القرآن الكريم الذي به وصف لصفات الله وأسمائه ولا يوجد خلق يتخلق به الإنسان أفضل من أن يتخلق بأخلاقيات وصفات الخالق الله عز وجل، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن كما ورد عن زوجته عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وكما أن القرآن يحتوي على رسائل فضيلة لإصلاح أو لتقويم سلوك الإنسان في جميع نواحي حياته.
وهذا لا يعني أن التنشئة السليمة على الحياء تمنع أبنائنا من ارتكاب الخطأ أو التخبط، وإنما تعزز النفس اللوامة لديهم، ولا تأخذهم العزة بالإثم معترفين بالذنوب تائبين «فخير الخطائين التوابون»، يقول أحد الصالحين «الحياء يمنع الشخص عن الفواحش، ويجعله يستتر بها إذا هو سقط في شيء من أوحالها»، كما أن الحياء ليس فقط يكفل للفرد نضج البصيرة عنده وإنما تكفل له الهيبة، فالهيبة والحياء متزامنان، ومن ملامح الحياء على الفرد الهدوء الانفعالي واتزانه النفسي، أسال الله لي ولكم أن ينعم علينا وعلى أبنائنا نعمة الحياء والبصيرة والثبات عليها.
family_sciences@