لا شك أننا نعيش أزمة تنموية، وتخبطات إدارية، وصراعات فكرية مبنية على مصالح فردية وقبلية، ولكن يرجع أسلوب التنمية بمفاهيمها الصحيحة بالنسبة لنا كأمة إسلامية مرجعها القرآن والسنة، ومما لا شك فيه أنهما مصدران للتشريع المتقن، ولا بد لنا كأمة من الرجوع الى الكتاب لكي نتمكن من التقدم لا للتأخر، حيث إن معوقي التنمية قد خلفوا صراعات داخلية باتت تنشر الجهل بشكل ملحوظ بين أفراد المجتمع الواحد، ولا مناص ولا مهرب من الشريعة الإسلامية التي تتمثل في الأخلاقيات الكريمة التي تعكس الحضارة في التعليم والتوافق والتكافل والعدل الاجتماعي، فبناء الإنسان أول أهداف التنمية ولا تنمية دون النظر في احتياجات الفرد النفسية والاجتماعية والمادية والمعنوية.
وعليه، فإن المشاكل التي تعتلينا كمجتمع أصبحت مصدر قلق لكل فرد، ولكن تبقى أولا السلوكيات المتمثلة في الخلق والطباع الحسنة في المعاملات، كيف لأمة حل مشاكلها التنموية التي تعود بالنفع لمجتمع كامل دون أن يتحلى أفرادها بالاتزان الانفعالي والإحسان المتمثل في العطاء والإحساس بأفراد المجتمع باختلاف مللهم واتجاهاتهم ومذاهبهم، وهنا تكمن علة الإصلاح في:
- الانحدار الأخلاقي في المعاملات وتحقيق الأهداف والمصالح الشعبية.
- العناد والاعتزاز بالإثم وعدم التقاضي وعدم التسامح.
- ضياع الفرص للكثير من الأشخاص لسببين، الأول البيروقراطية الفوضوية والمتخبطة، والثاني إبداء المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
فتلك الثقافة البائسة التي تغمرها الأخلاقيات العمياء ترجع لأمرين، الأول ثقافة التنشئة لدى الأسرة، والثاني منظومة التربية والتعليم لدى المؤسسات التعليمية.
وعليه، يجب أن نرجع الى القرآن الكريم حيث سنجد الفكر التنموي واضح الإشارة ثاقبا في مداه، فإن محور التنمية البشرية يكمن في الإنسان الذي هو أداتها وغايتها ويتمثل ذلك بالعمل الصالح، ولو نظرنا في القرآن الكريم لوجدنا أن أكثر من تسعين مرة تم ذكر العمل الصالح في مواضع مختلفة طلبا وحثا عليه من الخالق عز وجل، يقول الحق تبارك وتعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) «النور:55».
كما أن التنمية في القرآن تأخذ نواحي عدة في حياة الفرد، أولها أخلاقية سلوكية ومن ثم تعليمية وصحية واقتصادية وسياسية، وكلها ترجع الى نظام متقن في الفكر والمعاملات، ولكن عندما يضلل الإنسان فحينها يظهر الفساد، وأقوى رسالة للبشرية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة مضت لقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ* فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) «الروم:41-43»، تبين لنا الآية الشريفة أن الانحراف عن الحق شيء متوارث يخلف الفساد وعند ظهور الفساد لا بد من التعلم من سيرة حياة الأمم التي سبقتنا، ويجب أن نتعلم سنة حياتية أن التاريخ يعيد نفسه، فالحل لصد الفساد هو الرجوع الى الدين القيم، وذلك أصلح وأنفع لأمة بات بعض أبنائها غائبين عن القيم متعصبين للعادات والتقاليد والبعض الآخر دون صلاة ودون قيم يستمدون أفكارهم وقيمهم وعاداتهم من أمم خارجة على ملتنا، فمن أين يأتي الإصلاح؟!
family_sciences@