كل فرد منا يمر بمؤسسات تربوية تسهم في تنشئته وبلورة اتجاهاته وقيمه، وأول مؤسسة تربوية هي الأسرة، حيث إن أهم سنوات حياة الفرد في تنشئته التنشئة السليمة هي السنوات الخمس الأولى من عمره، وذلك يرجع لأساس بناء قواعده النفسية الصحية السليمة، وعليه تنطلق شخصيته متبلورة بالقيم والمبادئ ومستوى ذكاء اجتماعي وعاطفي وقدرات استيعابية وتعليمية، لينتقل لمؤسسة تربوية أخرى تلعب دورا في تنشئته ألا وهي المدرسة، لتأتي الصحبة لتلعب دورا مقياسيا في بلورة اتجاهاته، ومن ثم مجتمع الوظيفة والقانون العام للدولة، إلى أن ينتهي به المطاف إلى مرحلة التربية الذاتية، وهي مرحله ذهبية بالنسبة للفرد.
تعرف التنشئة على أنها غرس القيم والمبادئ وتوجيه السلوكيات والأهداف وبلورة الاتجاهات للفرد، أما التربية كمفهوم مختلف تماما فهي ترجع للمربي الأول ألا وهو الله عز وجل، ومن ثم رب الأسرة وربة الأسرة (الوالدان) اللذان يشكلان النموذج الأولي للقيم عن طريق ملاحظتهما لكونهما القدوة الحسنه لطفليهما، ولذلك فإن مصطلح التربية نابع من المربي، وكما سبق وأن ذكرت في مقالات سابقة أن التعلم بالملاحظة يكن بنسبة 85% لتبقى 15% للتلقين، ومن الطبيعي أن الغالبية من الأفراد قد خضعوا لبعض من المعايير والمفاهيم الخاطئة والمتخبطة في تنشئتهم، فيأتي دور الابتلاءات وقضاء الله وقدره من أمراض وفقد الأقرباء.. إلخ، من المصائب وبوائق الدنيا في حياة الفرد لتلعب دورا في تغير وجهة نظره في الحياة إما للسلب أو للإيجاب، داعما في ذلك ومتوقفا عليه عامل تنشئته الأولى.
إن الأخطاء والابتلاءات ما هي إلا علم وثقافة حياتية يكتسب الفرد من ورائها الكثير من الخبرة، كما أن تلك الأخطاء هي نتيجة جهل وقلة وعي وبصيرة، يقول الله عز وجل (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ـ النساء: 79).
ومرحلة التربية الذاتية هي مرحلة ذهبية بالنسبة للفرد، ويصل إليها الفرد في مرحلة متقدمة من العمر قد خاض تجارب كافية لكي يحصل على شهادة حياتية تمكنه من تصحيح نفسه وذاته وأسلوب حياته في حل مشاكله وتفاعله مع الآخرين بمختلف أدوارهم الاجتماعية من حوله.
ويختلف عمر كل فرد لآخر في وصوله لتلك المرحلة، فقد تبدأ المرحلة عند البعض من سن الأربعين، والبعض الآخر في الخمسين، والبعض في الستين، والبعض وهم قلة أشقياء مضللون لآخر يوم في عمرهم.
فعند الوصول لمرحلة التربية الذاتية التي تكون بالبصيرة في سلوكياتنا ونفسياتنا واتجاهاتنا وتصحيح مشاعرنا بالذي نحبه والذي لا نحبه.. إلخ من تلك الأمور، حينها يصل الفرد إلى المرحلة الملكية من عمره، ففي هذه المرحلة يكتمل نضجه ويكون أكثر اتزانا من الناحية العاطفية والانفعالية، والذي يدعم تلك المرحلة أمران مهمان هما الوازع الديني واكتساب حصيلة عالية من القيم، إلى جانب الاستزادة بالعلم والمعرفة تزيد الفرد بصيرة ونضج تكسيه جمالا ينعكس بالخير الكثير له ولمن حوله.
family_sciences@