مما لا شك فيه أن جميع مشاكلنا الحياتية التي نواجهها إنما هي نابعة من فقد القيمة الخلقية، يقول الله عز وجل: «ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك»(النساء:79)، ويعرف مصطلح الاتزان العاطفي على أنه القيم الخلقية التي يكتسبها الفرد من تنشئته الاجتماعية والنفسية لتصبح مهارات حياتية تكفل له التوفيق وحب الناس، كما أن للاتزان العاطفي أهمية كبيرة مشار لها في القرآن الكريم لقوله: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون - التحريم:6) وعليه فإن الدين عبارة عن قيم أخلاقية تكفل للفرد الارتقاء بنفسه، ولأجل فهم أعمق للقيم الأخلاقية راجع مقال «الفرق بين القيم والأخلاق»، والاتزان العاطفي هو العدل والإحسان في تفاعلنا مع الآخرين، يقول الله عز وجل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون - النحل:90)، فالاتزان أساسه العدل، والعدل أساسه البصيرة والحكمة في المعاملات ومعالجة الأمور، أما العاطفة فهي الإحسان بأنواعه وأشكاله، ولذلك من أعظم الاخلاقيات المشار لها في القرآن الكريم تندرج تحت مسمى الاتزان العاطفي للفرد، فتلك المهارات هي أساس التقوى المشار لها في القرآن الكريم وأساس الحياة الدنيوية ولها أهميتها في البرزخ وتؤمن الفوز في الآخرة، لقوله تعالى (والعاقبة للتقوى)، فمن المهارات المشار لها في القرآن الكريم والتي تكفل تحقيق الاتزان العاطفي للفرد:
- الصمت: حيث إن المتزن عاطفيا لا يلغو كثيرا لقوله: (والذين هم عن اللغو معرضون - المؤمنون:3)، فمن أبرز تلك المهارات هو الإعراض عن اللغو بأنواعه وأشكاله منها: المراء والجدال - تركه مالا يعنيه - الغيبة - النميمة - الكذب - التحدث بما يسمع وما يقال - الهمز واللمز - المدح أي أن يمدح نفسه أو يمدح غيره بما ليس فيه - فضول الكلام والخوض في الباطل لقوله: «وكنا نخوض مع الخائضين - المدثر:45)... فالكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن تلك السلوكيات كما هو الحال في السنة النبوية الشريفة والتي لا تسعها مقالة.
- غض البصر: المتزن عاطفيا دائما يغض بصره ولا يعليها على المحرمات ودائما عيناه في الأرض لا يرفعها إلا عند الحاجة.
- يقول لقمان الحكيم لابنه: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير - لقمان:19)، فالمتزن عاطفيا مقتصد في مشيه أي غير مستكبر أو متعال أو أي شكل من أشكال الاضطراب النفسي أمام البشر، كما أنه يتكلم بصوت هادئ معتدل الموجة.
- النظام: المتزن عاطفيا دائما نظامي في حياته يقدر قيمة الوقت.
- الظن الحسن: المتزن عاطفيا يحسن الظن بالله عز وجل ويحسن الظن بالناس ولا يسيء الظن بهم ودائما متسامح ملتمس العذر للآخرين.
- نبذ التكلف والتشدق.
- الحياء: راجع مقال الحياء.
- الندم على الخطيئة (النفس اللوامة).
- حفظ الأمانة والعهد والوعد.
- تعظيم شعائر الله والخشية من عقابه.
- بر الوالدين وصلة الأرحام وإيتاء ذي القربى حقهم والمسكين وابن السبيل.
- الهين واللين.
- الهجر الجميل، فهو خير في التعامل مع سوء خلق الطرف الآخر.
وفي الختام، سئل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام عن الإحسان، فقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (متفق عليه)، وبذلك قد اختصر صلى الله عليه وسلم معنى الاتزان العاطفي.
family_sciences@