لا شك أننا نواجه معضلة صعبة في أمرين: مناهج وإعداد المعلم، حيث الأمر الأكثر خطورة هو ما يدور في المؤسسات التعليمية الكبرى، حيث لاشك يوجد فئات طلابية متنوعة ومختلفة في توجهها المستقبلي، سواء كان الخريج معلما، أو إداريا، أو فنيا، أو ذا وظيفة حساسة.. إلخ، والمعضلة الحقيقية التي تكمن وراء تراجع جودة التعليم هي المادية كثقافة، والتي سيطرت كفكر عام على كل من الأستاذ والطالب إلى أن أصبح التعليم مجرد عملية تجارية تدور حول هدف - كم الربح؟، فالطالب هدفه شهادة لأغراض وظيفية لا أكثر، والأستاذ هدفه العائد المادي من وراء علمه (إلا من رحم ربي).
أصبحت هناك فئة كبيرة هدفها المادية قبل الثقافة وجودة التعليم الذي يسير على نمط لم يتغير منذ نصف قرن، فقد تأصلت المادية وأهملت صناعة الإنسانية بالأخلاقيات والقيم والمبادئ التي هي أصل التنمية لا غير، عن طريق المناهج العلمية المتطورة والمهارات العلمية والسلوكية والأدبية للأستاذ المعلم، فيجب أن تجتمع تلك المهارات كلها في أسلوب صياغة المنهج المقرر بشكل ذكي وأخلاقي، والذي هو أصل جودة مستوى التعليم ومن ثم مهارة الأستاذ المعلم التربوية والتعليمية في التفاعل مع الطالب.
كذلك ومن الخطورة في الأمر المتاجرة في العلم اليوم من خلال تأليف الكتب المنهجية للطلبة (ولا أجمع المناهج كلها وإنما الكثير الذي لا يستهان به)، حيث يجبر الطالب على شرائها بأسعار تفوق المعدل المسموح له في اقتناء الكتاب، مع العلم أن هناك كتبا محتواها ليس بالعلم الجديد، بل في غالبه منقول ورخيص الطباعة وعليه لا يستحق القيمة الشرائية التي غرضها نهب إعانة الطالب، وذلك يرجع لغياب القانون الذي يجرم ذلك السلوك وغياب الرقابة، فلما لا تشكل لجنة رقابية صارمة تراقب مبيعات المناهج للطلبة هدفها رفع إنتاج المؤسسات التعليمية الكبرى؟
وإلى جانب آخر، إعداد المناهج ولا أعمم في ذلك أيضا - وإنما أركز على المناهج الأدبية والإنسانية ـ حيث هناك بعض الفئات من الأساتذة يفتقر إلى الرؤية التعليمية في مجال تخصصه سواء كان مواد عامة أو تخصصا، حيث لا يستطيعون التفرقة بين طالب الدبلوم وطالب البكالوريوس وطالب الدراسات العليا (إلا من رحم ربي)، فعلى سبيل المثال يجب ألا أشرك طالب الدبلوم بمحتوى متقدم في هدفه وعلمه مخصص لطالب البكالوريوس أو الدراسات العليا، فأين النظرة في الفوارق الاستيعابية والاحتياجية من وراء المادة التعليمية، ولماذا أجبر الطالب على محتوى دراسي عقيم وممل وصعب يدفع الطالب للغش بدلا من تنمية الفكر الإبداعي له، (نظرة تأملية).
إن التعليم يحتاج إلى انتفاضة قوية من أجل رفع مخرجات التعليم التي تنعكس على الإنتاجية في التنمية الوطنية بشراكة مجتمعية وتضافر مختلف التخصصات للنهوض ورفع انتاج سوق العمل بما يكفل الأمن والاستقرار الاجتماعي لأفراد المجتمع، فأساس نهوض أي أمة هو التعليم الجيد، فإذا أردت أن تهدم أمة فابدأ بالتعليم.
[email protected]