سؤال يطرح نفسه، ويدور بذهن الكثير من الناس، أين دور الإعلام في التنمية الفكرية؟ وأين هي البرامج الثقافية والفكرية التي تنمي من فكر أبنائنا وثقافتهم؟
إن الإعلام له دور كبير وقوي وفعال في شغل العامة وتوجيههم إما نحو الإيجاب أم السلب، خاصة في عصرنا هذا، ومع الانفتاح الكبير الذي حققته التكنولوجيا، أصبح الإعلام يشغل حياتنا بشكل كبير ويؤثر فيها، وما يحدث اليوم على الساحة الإعلامية لهو شيء مخز وتجاري وهابط مع احترامي للقنوات، فالمسلسلات الهابطة والبرامج التافهة التي يرفع أبطالها راية الباطل على الحق والفوضى والتفاهة التي تشغل المشاهد باللغو والثرثرة التي لا تجدي إلا الإثم وضياع الأجر.
فالغالبية الكبرى من مشاهدي تلك البرامج هم صغار هذه الأمة، التي من الواجب الإعلامي الاهتمام بفكره وعقيدته قبل تسليته وذلك على مستوى الوطن العربي الإسلامي، فأين البرامج الدينية التي تدعو للتفكر والتأمل في خلق الله عز وجل، وأين البرامج النقاشية التي تناقش أهم القضايا والظواهر الاجتماعية اليوم من حيث آثارها على المجتمع وأضرارها وكيفية تفاديها، مثل المادية - العنف - العدوان - مشكلة الفراغ - مشاهير السوشال ميديا - الفوضى الفكرية - اللغو والثرثرة الهابطة - مشاكل مدرسية - مشاكل أسرية... إلخ، فتلك البرامج لعلها متواجدة على مستوى الإعلام العربي وإنما بشكل بسيط متواضع مقارنة بالإعلام الفاسد.
كما أن للتكرار الأثر الكبير في تعزيز القيم وإصلاح أسقام المجتمع، فلو تحقق الإعلام العربي وخاصة الخليجي من الإكثار من تلك البرامج التنموية للفكر والثقافة والروح والأخلاقيات لتمكنت المجتمعات من حل مشاكلها النفسية والاجتماعية والثقافية بنسبة تتجاوز 55%، فتلك النسبة ألا يستحق العمل المثمر من أجلها وإسهاب الأموال من أجل الرقي لا من أجل التراجع والجهل.
إذا أردت أن تهدم أمة ابدأ بهدم أفكارها، وهذا ما يصنعه الإعلام، فالبناء النفسي والاجتماعي الراقي للأمة يتوقف على قدر تنمية الفرد من الناحية التعليمية والثقافية والأخلاقية، فإن تراجعت تلك التنمية اندثر المجتمع وأصبح في فوضى أخلاقية وعقائدية خارجة عن السيطرة.
يحتاج أبناؤنا اليوم برامج تشغل وقت فراغهم وهي أهم قضية يجب على المجتمع الاهتمام بها (قضية وقت الفراغ) فهي سبب الكثير من الظواهر السلبية، لم لا تكون هناك قنوات تعلم التكنولوجيا وتحفز الاستخدام الإيجابي والوعي الصحيح في تشغيلها والتعامل معها والحذر من أضرارها - لم لا تكون هناك قنوات تنمي الأشغال اليدوية وإعادة التدوير - لم لا تكون هناك قنوات من أجل مناقشة هموم الشباب مع وضع الحلول لهم كما أنها تشجع وتدعم الشراكة المجتمعية في حل تلك القضايا - لم لا تكون هناك قنوات خاصة بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة وطرح كل ما هو جديد من الاجتهادات القرآنية - لم لا تكون هناك قنوات من أجل عرض جميع انجازات المبدعين من أبناء الوطن - لم لا تكون هناك قنوات خاصة لتعلم القيم من القرآن والسنة النبوية بشكل مشوق، فالمجتمعات اليوم تفتقر للكثير من تلك القيم الغائبة عن أذهانهم وفكرهم والتي لم يتعلموها في الأسرة، مفقودة في سلوكياتهم ومهاراتهم الحياتية والله المستعان، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
family_sciences@