في البداية يجب أن نفرق بين الأخلاق والقيم، فربما لدى الكثير من الناس أخلاق ولكن كثيرهم يفتقر الى القيم، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية، وتعرف الأخلاق بأنها من الخلق، وهو طاقة راسخة في النفس تدفع صاحبها لفعل الخير ويتم غرسها في النفس عن طريق أمور منها الثقافة ـ التنشئة ـ فطرة الإنسان، أما القيم فهي مفاهيم فكرية يجب أن تلقن وتعلم وتدرس بالمفهوم الفكري، ولمفهوم القيمة الأثر الكبير في صقل أخلاقيات الفرد وإدراكه للواقع وارتقاء ثقافته، ويقول الشاعر «إنما الأمم أخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
إننا لنعيش في معضله القيم، وما يحدث على الساحة الاجتماعية للمجتمع من اعتداءات وفوضى أخلاقية وفكرية، ولعل تلك المعضلة ليست بالأمر السهل اصلاحه وإنما تمتد جذور اصلاحها لعمق البيئة التربوية، فالمربون اليوم يفتقرون الى الكثير من القيم، فما بال الجيل الواعد؟! ولأن أساس المجتمع أصبح بناؤه الاجتماعي متهتكا وضعيفا فالقيمة ضائعة تائهة، ولا بد من الإصلاح الجذري عن طريق (القانون) والتنظيم الاجتماعي داخل جميع المؤسسات الحكومية وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، فهي أساس انعكاس ثقافة الفرد على المجتمع، كما أنه يعد الخطوة الأولى في اصلاح بناء المجتمع الأخلاقي، وكما اشرت سلفا الى أن الكثيرين من الناس يعتقدون انفسهم قمة في الأخلاق ولكن حقيقتهم أنهم قوالب خاوية من القيم، ونظرية القيم محدودة ومتواضعه بالنسبة لهم بناء على ما اكتسبوه من بيئتهم وتعلموه من مدرستهم.
فالقيم كثيرة وكبيرة في معانيها، والكثير منها لم يغرس كمفهوم متبلور في النفس والسلوك حتى نعيش في أمن واستقرار نفسي، فكلما نضج المجتمع علما وثقافة وفكرا وأخلاقا عاش في أمن داخلي وخلق له حصنا متينا ضد العدو، فعلى سبيل المثال:
ـ يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا»، فلو كانت تلك القيمة اليوم مغروسة في نفوس أبنائنا بشكلها الصحيح القويم لما تجرأ طلابنا على الاعتداء على المدرسين والمسؤولين، ولساد الاحترام حتى في مجال العمل.
ـ يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «من غشنا فليس منا»، فالغش مثل الكذب، إذا كان المربي يربي أبناءه على الكذب خشية من أمر ما، ويقول إنها كذبة بيضاء، فكيف للأبناء أن يتعلموا أن الكذب طريق الفشل والندم، كما هو حال الغش، ولو علمنا أبناءنا المتعلمين مقولة: «اخطأ واكتب على قدر استطاعتك فهناك درجات ترفعك على قدر أمانتك وإخلاصك لله» حينها ألا يجدر بأبنائنا المتعلمين الارتقاء بأخلاقياتهم.
ـ البساطة ونبذ التكلف والتشدق، فثقافتنا الكويتية المترفة تشجع على ذلك دون أن نشعر بأنفسنا وعواقب تلك الثقافة البائسة التي أهلكتنا وجعلتنا بعيدا عن الدين والأهداف، لا نقبل بالقليل وإنما شعارنا أصبح «كلما اشتهيت اشتريت» أين القيمة في حياتنا؟!
ـ الغيرة قيمة جليلة ترتقي بنفسية الإنسان لأعلى مراتبها، فلو غرست في أبنائنا قيمة الغيرة على الدين، من حيث: السلوكيات العامة، والأفكار في اللباس، والمأكل، واقتباس الأفكار، والعلم التربوي ليس من الغرب وإنما من القرآن والسنة، فلو كان التعليم لدينا يتنفس القرآن لما وصل حالنا للمعاضل الكبيرة والكثيرة من حولنا.
فهناك الكثير الكثير من القيم المفقودة، وما يزعجني أكثر بشأن هذه المعضلة أنني عندما دعوت ذات مرة لندوة نقاشية عن القيم المفقودة في أبنائنا، والتي كان يناقشها مجموعة من ذوي الاختصاص والشأن من الحاصلين على درجات علمية كبيرة، ممن لا يفقهون ما القيمة والمعضلة الحقيقية التي يعيشها المجتمع، ومع احترامي لهم لم يستطيعوا ان يوصلوا للحضور المفيد، والفهم الصحيح للقيمة المفقودة وكيفية غرسها عن طريق الأسرة والمدرسة.
family_sciences@