استدعي الدكتور العالم الطبيب موريس بوكاي بوفد بأمر حكومي من أجل معالجة المومياوات الفرعونية من التلف والتعفن، وفي تلك الأثناء وهو يعالج احدى المومياوات وجد عفنا على رقبة المومياء، ففتح رقبتها من أجل أن يزيل ذلك العفن، وقد لاحظ أن رقبة المومياء مليئة بملح الطعام، فقال بوكاي إن هذه المومياء ماتت غرقا، فضحك من حوله من المسلمين، فقال لهم: وما يضحككم؟ قالوا: نحن نعلم ذلك إنه فرعون موسى وقد أخبرنا القرآن الكريم عنه بقوله (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) (يونس:92)، فقال: هل القرآن به إشارات علمية لذلك، قالوا نعم، وهل هناك ترجمة للنص القرآني بالفرنسية، قالوا له نعم - وأتوه بالقرآن المترجم وعكف عليه دارسا تلك الإشارات العلمية في القرآن الكريم، ومنها بدأت مسيرته العلمية في تفسير آيات القرآن بالإعجاز العلمي.
إنه لشرف لي أن أعطر زاويتي كتابة عن ذلك العالم الذي كانت له بصمة في التفسير القرآني بالإعجاز العلمي والذي امتد إنجازه للعالمين الغربي والشرقي، فالعالم الطبيب الفرنسي موريس بوكاي الذي كانت له إنجازات علمية مبدعة في التأمل والتفكر بعظمة الخالق عز وجل، كان مؤمنا بأن العلم والدين توأمان في الإسلام في حين كان يواجه التعارض والتناقض بين الإنجيل والعلم، وكان ذلك سببا رئيسيا لإسلامه الذي لم يشهره، ففي سنة 1976 اصدر بوكاي كتابه الشهير «التوراة والإنجيل والقرآن والعلم» والذي حصل على أعلى مبيعات في العالم، فقد أحيا إصداره ضجة عنيفة تجاهه، إلى أن أصبح ظاهرة في عصره، ففي غضون 6 أشهر من إصداره نفدت الكمية من الأسواق الفرنسية ليعاد طبعه مجددا في داري نشر مختلفتين كل 5 أشهر تقريبا، وقد ترجم إلى 12 لغة إلى يومنا هذا، فقد قدرت مبيعات الكتاب من مليونين إلى 3 ملايين نسخة في فرنسا، بينما عشرة ملايين إلى 15 مليون نسخة للغات الأخرى، فقد كان تفسيره لآيات كثيرة عن أصل الماء المختزن في القشرة الأرضية على سبيل المثال لم يسبق له أحد من قبل في تفسيرها كترجمة قرآنية نابعة من الإشارات العلمية في القرآن الكريم.
فقد هداه الله منذ نعومة أظافره الى أمور متناقضة بين الإنجيل والعلم، فليس هناك في الكتاب المقدس ما يدعم ويثبته العلم والذي كان يرفضها وبشدة، بينما وجد الكثير في القرآن الكريم إلى أن أقر بأن القرآن هو كتاب الله الحق، وقد تعرض موريس بوكاي حينها لهجمات عنيفة من قبل الكنيسة الكاثوليكية والعلماء من حوله إلى جانب الضغوطات الاجتماعية، ولكنه قاوم كل ذلك ليستمتع بالنور الذي يشع من القرآن ويستلذ باكتشاف العلوم من خلال الإشارات العلمية التي كانت تبهره وتجذبه لدراستها، فقد كافح وصارع من أجل العلم، وصمم على تعلم اللغة العربية وهو في الخمسين من عمره وأفنى بقيه حياته في التفسير القرآني بالإعجاز العلمي.
وقد كان لبوكاي الفضل بعد الله في نشر الإعجاز العلمي القرآني في العالم الغربي، فهو طبيب وعالم بيده الحجة القوية والسند العظيم والشجاعة الأدبية في قول الحقيقة لمواجهة الباطل وإعلاء الحق، حتى أصبحت له مؤلفات عديدة في بيان نور العلم في القرآن الكريم، وهذه المقالة كانت باختصار موجز لإحياء ذكرى ذلك الرجل العالم الطبيب الذي توفي منذ عشرين عاما ومازالت إنجازاته تبهر العالم الغربي والعربي إلى يومنا هذا، فكانت مقولته الشهيرة «غايتي بالغة البساطة.. أن أقول الحقيقة»، رحم الله د.بوكاي وغفر له ورحم علماءنا وشهداءنا وموتانا المسلمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
family_sciences@