كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم دائما يدعو «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن»، فالإنسان طاقة من صنع خالق مبدع، فكلما تفنن في توجيه تلك الطاقة للأفضل أمن نفسه من الهم والحزن، فمن القصص الجميلة، يحكى أن فلاحا متزوجا ولديه ابنة جميلة جدا، ماتت زوجته، وبعدها بفترة تزوج بامرأة أخرى، وكانت زوجة الأب شديدة الغيرة من تلك الابنة الجميلة، فبدأت تؤذيها وتعذبها، حتى أشارت على الأب أن يزوجها ليستر عليها، فقرروا أن يزوجوها لرجل كبير في السن، ويوم الزفاف طلبت البنت من زوجة الأب أن تدعها تذهب لدورة المياه، فلم تكن زوجة الأب تدعها للذهاب إلى مكان خشية أن تهرب، فقامت زوجة الأب وربطت ساق الابنة بسلسلة طويلة لتأمن عدم هروبها، وفعلا دخلت الفتاة الجميلة دورة المياه، فقامت بفك السلسلة من ساقها وربطتها بصخرة ثقيلة حتى لا تشك زوجة الأب أنها قد هربت من النافذة، وظلت الفتاة تائهة لا تعلم أين تذهب، إلى أن وجدت باب محل نجار مفتوحا، فدخلت مختبئة في أحد الدواليب التي يصنعها، وفي الصباح الباكر أحست الفتاة بأن أمرا ما قد حدث ففتحت باب الدولاب ففؤجئت بأن الدولاب داخل قصر جميل وبالتحديد داخل غرفة أمير، وفي داخل الغرفة كان الأمير يحضر له الطعام مما لذ وطاب، وكان الطعام يوضع بينما هو يذهب ليصلي صلاة العصر، وبينما هو يصلي كانت الفتاة الجميلة تخرج من الدولاب وتأكل من كل طبق من الطعام المحضر حتى تشبع، وعندما يرجع الأمير يفاجأ بأن الطعام أكل منه، واستمر الوضع لأيام حتى شك الأمير في الموضوع، وذات يوم اختبأ حتى كشف سرها، وأمسك بها منبهرا بجمالها وقال لها: من أنت وكيف دخلت الى هنا؟ فقامت الفتاة تحكي للأمير قصتها حتى انتهت بأنها تحب الحياة والسعادة والضحك ولا تسمح للهم بأن يدخل قلبها، فقص عليها الأمير أنه كانت لديه زوجة يحبها جدا وأنها ماتت من سنتين، ومنذ ذلك الوقت وهو حزين ومهموم، وتعجب الأمير من تلك الفتاة كيف لم يدخل الحزن والهم الى قلبها بالرغم من مرورها بتلك المشاكل والصعاب، وقال لها: أنا سأتزوجك وسأعلمك كيف تحزنين وتعيشين في الهم، وفعلا قام الأمير بالزواج من تلك الفتاة، ومن ثم اسكنها في قصر بعيد عن المدينة ومهجور وحدها، موفرا لها كل مستلزمات المعيشة من طعام وشراب وخيوط وإبر لكي تصنع لها الملابس، في حينها كانت الفتاة قد حملت من ذلك الأمير، وأمرها بأن تسكن وحدها لمدة سنة كاملة، متحديها بأنها سيدخل الهم قلبها من الوحدة، بينما هي لم تسمح للهم بذلك، فالتفتت إلى الطعام وإذا بتمر كثير لكي يكفيها للمدة المحددة، فقامت وصنعت منه امرأة عجوزا، لكي تتبادل معها الحديث ولا تشعر بالوحدة، فتسألها: يا خالة ماذا أفعل الآن؟ فترد عليها متوهمة الرد بأن تنظف المنزل وتهتم بنفسها وأن تعد الطعام وتحيك الثياب من أجلها وأجل طفلها المنتظر، وظلت الفتاة على هذا الحال، وفي يوم مرت عليها قافلة فقيرة يرجون الطعام، فأعدت لهم الطعام في مقابل أن يهدوها بنتا وولدا صغيرين من أبنائهم لتتبناهما وترعاهما وتسلي وقتها بهما، وأتى موعد الولادة، وقد أنجبت بنتا وولدا توأما، وظلت الفتاة تعتني بنفسها ومنزلها، حتى انتهت السنة وأتاها الأمير وكان متوقعا أن الفتاة قد مرضت وأكلها الهم، وإلا بها الجمال والصحة والأبناء ونظافة المسكن، فسألها من تلك العجوز؟ فأخذت سيفه وقطعت رأس العجوز التي صنعتها من التمر، فإذا بالدود يخرج منها، فقالت له الفتاة: انظر لذلك الدود فهو الهم لم أضعه في قلبي وإنما وضعته في قلب تلك العجوز، وأنت لا تحزن فإن الله عوضك بزوجة لا تعرف للهم طريقا، فرد عليها قائلا وهو سعيد: فعلا أنت امرأة «قلب بلا همّ».
family_sciences