يقول الحق تبارك وتعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب) (البقرة:269)، الحكمة هي الصواب في القول والفعل، ولكن كيف نرتقي لتلك الدرجة الرفيعة من التفكير والسلوك، بصرف النظر عن التنشئة والبيئة وبصرف النظر عن الشهادة والدرجة العلمية، هناك أمر في غاية الأهمية أن الله يؤتي الحكمة من يشاء، ومن هم الناس الذين يؤتيهم الله الحكمة؟ الجواب: هم المحسنون، فقد ذكرت مثالا في مقالات سابقة أن الإحسان رزق من الله يؤتيه من يتمتع بمضغة طاهرة متسامحة، فهناك أشخاص لم يحالفهم الحظ في التعليم الأكاديمي ولكنهم اكتفوا بقراءة القرآن وتعلمه، نجدهم يملكون حبا جماهيريا كبيرا من الناس لسبب بسيط جدا وهو امتثالهم للإحسان في القول والفعل مع الناس، وعندما أقول إن فلانا محسنا فهذا يعني أنه «بار - رحوم ـ معطاء ـ متسامح ـ متعاون ـ مخلص بحبه...» إلخ من القيم الجميلة التي يرتقي بها صاحبها لدرجة الإحسان، فمن يمتلك إحسانا عاليا يؤتيه الله الحكمة في معالجة الأمور.
كما أن الحكمة درجات فليس الكل يتمتع بنفس القدرات النفسية والعقلية في فهم الصواب، فكلما ارتقى الإنسان في علوم الدين النابعة من القرآن والسنة النبوية ارتقى في نظرته الصائبة للأمور، بالإضافة لكونه من المحسنين يؤتيه الله الحكمة أضعافاً مضاعفة فيُحشر مع (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) (الواقعة: 10-14) وهم أرقى الناس وأعلاهم قدرا عند الله عز وجل.
وأرجع إلى صفات الإنسان المحسن الحكيم فهو متزن عاطفيا وانفعاليا - قليل الكلام ـ هادئ ـ رزين ـ لا يغتاب ولا يلغو ـ يحب الناس ـ يرحم ويتسامح مع من ظلمه ـ يتمثل للبساطة وينبذ الإسراف ـ واعٍ ومتحكم بعواطفه ـ يرحم الصغير ويوقر الكبير ـ دائما معطاء في قوله وفعله ـ منعزل نوعا ما - يهب وقته للعلم والمعرفة ومساعدة الناس - وأهم ما يرتقي به الإنسان هو العلم النافع وأفضله دراسة علوم القرآن الكريم والسنة الشريفة، لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
فقد سأل أحد الصالحين: وما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه فيه، والاتباع له، وقد ختم الله الآية الكريمة (وما يذكر إلا أولو الألباب)، وأولو الألباب هم أصحاب العقول الراقية، «كما يقول العلماء: جمع لب، واللب هو العقل، وأولو الألباب هم الذين امتلكوا العقول الصحيحة التي يستدلون بها على الخير، فيتبعونه ويعرفون بها الشر فيجتنبونه».
family_sciences@