منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام مضت استنار العالم بنزول (القرآن الكريم) على نبينا محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، رحمة للعالمين، بعدما كانت مهارات البلاغة وقوة الفهم والحفظ والإدراك ممزوجة بالجهل في جميع النواحي الحياتية، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية وغيرها من النواحي التي اعتلاها الظلم والفوضى في حياة البشر آنذاك، والعلم والدين وجهان لعملة واحدة، فالعلم من غير دين ظلام وعتمة والدين من غير علم جهل وتعصب.
وتبدأ سنوات القوة الفكرية العلمية والعقيدية التي كان بها الخير كله، ليس فقط على العالم الإسلامي فحسب وإنما على العالم أجمع، وذلك يرجع لحقيقة أن العالم كله مسلم، أي مسلم بقضية موحدة ألا وهي أن هذا الكون من صنع خالق باختلاف العقائد، ومنها ينطلق العالم بالفتوحات الإسلامية التي حققت الرقي وتأهيل أجيال تتمتع بالبلاغة وقوة الفكر والعلوم المختلفة التي ظلت آثارها محط تساؤلات ودراسات الكثير من علماء اليوم في سر صنعها وتقنيتها، ولكن كان ذلك يواجه إرهابا حقيقيا في طمس تلك الحضارة بعلومها بدءا من القرن الثامن الميلادي ضد ما خلفته الحضارة الإسلامية من علوم ساهمت في انتشار النهضة في شتى المجالات، منها العمارة والطب والفلك والرياضيات والطبيعة واللغة والفيزياء والكيمياء،
وغيرها من العلوم التي لم يسبق لأحد من العالم المظلم الذي هو محط انبهارنا اليوم التوصل لتلك العلوم في سنواته الغابرة، فنجد الإرهاب ضد الإسلام على مدار تلك القرون السالفة قد نسف الكثير من العلوم التي هي من صنع الحضارات الإسلامية ولم يبق منها شيء، أنانية منه وكفرا بالقضية، فلو تمعنا عبر التاريخ فسنجد ما حدث من إرهاب للعلم في حرق أكبر وأشهر مكتبات على مر التاريخ والزاخرة بالإنجازات العلمية والفكرية لأقوام سالفة، مثل ما حصل في غرناطة عام 1492م عندما أمر الكاردينال بإحراق المكتبة المليئة بالعلوم التي هي من إنتاج الحضارة الإسلامية آنذاك، مستثنيا علوم الطب أنانية منه، وإحراق الرومان المكتبة الإسكندرية التي كانت تحتوي على كنوز فكرية وعلمية ايضا للعالم القديم، وإغراق التتار لمكتبات بغداد الزاخرة بكنوز العالم الوسيط عام 1258م، وغيرها من المآسي الإرهابية ضد الإنتاج العلمي في مختلف الحضارات حول العالم، لو لم تكن تلك العلوم قد حرقت فكيف كان حال تعليمنا وحضارتنا اليوم؟
وها نحن اليوم نتراجع بتعليم أبنائنا التعليم الصحيح الذي يكفل لنا مخرجات تعليمية تربوية تتمتع بقوة البلاغة والفصاحة وروح الإبداع وقوة الفكر، وذلك لضعف حرص العالم الإسلامي اليوم وعدم تركيزه في تعليم وتثقيف الأجيال بالقرآن الكريم وعلومه حتى ننهض بقوة كما كان عليه أسلافنا عبر التاريخ الإسلامي.