إن أعظم آية تربوية في القرآن الكريم نجدها في سورة طه آية 132 لقوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى..)، والسؤال: لماذا هي تعد أعظم آية (تربوية) وهناك الكثير من الآيات التربوية في القرآن الكريم، والإجابة عن هذا السؤال يكمن في أمور عدة:
أولا: الصلاة عماد الدين، أي أنها تشمل جميع أركان الإسلام عند أدائها ومن المتعارف عليه أن أركان الإسلام الخمسة هي: (الشهادتان) فبالصلاة تنطق الشهادتين، (الزكاة) فبالصلاة يزكي المؤمن عن كل عضو من أعضاء جسمه من خلال الشد ومرونة العضلات والإطالة في كل حركة من حركات الصلاة وهو أمر إن تم بإخلاص شديد فإنه يقي المؤمن من شرور آلام العضلات والركب وغيرها الكثير من الأمراض العصرية، (الحج) فبالصلاة جهاد ومجاهدة النفس في إقامة الصلاة في وقتها والخشوع التام والتركيز رغم ظروف الفرد الحياتية وانشغالاته، (الصوم) فبالصلاة لا طعام ولا شراب.
ثانيا: الصلاة دالة الإخلاص وهو أعلى مراتب القيم، بمعنى إن أخلص المؤمن في صلاته بجهده وإيمانه لله عز وجل فإن ذلك يقود النفس لأعلى مراتب القيم وأرقى الأخلاقيات والسلوكيات الاجتماعية العامة، منها:
- الإحسان، وهو أعلى مراتب البر، فعندما سأل الرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ما هو الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه البخاري ومسلم)، فإن حقق المؤمن الإخلاص في عبادة لله نال قيمة الإحسان في خلقه.
- بر الوالدين وصلة الأرحام، فالصلاة تحيي ضمير المؤمن، وذلك ببره بوالديه وصلة رحمه إلى جانب العطف على الصغير وتوقير الكبير وحب ذوي القربى ومساعدتهم ومساعدة الفقراء والمحتاجين بحب وصدق وأمانة، ولا عجب من ذلك لأن قيمة الإحسان قد تغلغلت في نفسه ووجدانه.
- البعد والنهي عن كل ما يغضب الله عز وجل، وذلك لقوله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (سورة العنكبوت: آية 45)، فالخوف من غضب الرب يردع المؤمن من ارتكاب المعاصي وإن أخطأ فسرعان ما يرجع إلى الله بالتوبة والاستغفار، فلا عجب من خطأ بني آدم ولكن العجب في عدم تصحيح الخطأ، فهو مجبول على الخطأ ولكنه مخير في إصلاحه لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».
- الاحترام والنظام، فهما من أبرز مظاهر الأخلاق والتنمية لأي أمة كانت، فالصلاة تروض صاحبها على احترام الوقت وأداء الحقوق والواجبات، كما أنها تروضه على النظام والجدية والطهارة والنظافة.
فالصلاة نموذج مصغر للنظام الكوني والحياة الإنسانية في جميع جوانبها، والصلاة عبادة وتربية وقيم وأدب ورقي وأخلاقيات يكتسبها الفرد في حال إخلاصه ليتمثل لأخلاقيات المؤمنين، فالله عز وجل يتكفل بالرزق والخير الذي يعود على الفرد وراء الصبر وأمر أهله بالصلاة ومجاهدة النفس في الإخلاص بها، قولا وفعلا وفكرا، كما أنها عادة تربوية تربي النفس لمزامنة التكرار لها والنظام الذي يكفل أرقى الشخصيات وأفضلها على الإطلاق.
family_sciences@