يشـــغل الشـــارع الكـــويتي اليوم قضايا الفساد المتنوعة في أشــكالها، والمحزن أن يكون أبناء الوطن هم المــساهمون البارزون في تلك القضايا، ومن المتعارف عليه أن المواطن الكويتي منعم ومرفّه إلى جانب أنه فرد متعلم ومثقف وواع، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما سبب هذا التخاذل في المبادئ والقيم؟ إلى جانب سطوة المادية على النفوس والعقول؟! الجواب يكمن في تراجع عمل ثلاثة هي: التربية والتعليم والقانون.
أولا - التربية: من أجمل ما قرأت في «رياضة الصبيان» للإمام الغزالي رحمه الله يقول «... ولا يعود الصبي على التنعم ولا تحبب إليه الزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد»، ففي المجتمع الكويتي نجد الكثير من الأسر تأخذ منعطفا تربويا ألا وهو تلبية احتياجات الطفل المادية المرفهة دون ضوابط، وهذا من شأنه أن يغرس المادية في نفس الطفل فيؤدي إلى الانحدار القيمي وضياع الهدف. إن التنشئة يجب ان تغرس بكتلة من المبادئ الأخلاقية والقيمية منها الحياء والقناعة والعطاء والكثير من خلال أسلوب التنشئة الاجتماعية والنفسية للأبناء.
ثانيا - التعليم: مقولة أكررها في مقالاتي كثيرا «إن أردت أن تهدم مجتمعا ابدأ بالتعليم» إن التعليم السيئ يورث الجهل، والتعليم الجيد هو المتزامن والمتوافق مع قيم ومبادئ تؤمن للمجتمع الصلاح لا الفساد، فالتعليم الذي يقتصر على الحفظ والتدوين دون تحريك الفكر والقيم يحول الوضع من «محو للأمية مقابل الإبحار في الجهل» والجهل هو أصل الفساد السلوكي لدى الإنسان، فلنتأمل الآيات القرآنية، يقول الحق تبارك وتعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)(البقرة:31-32)، إن الدين الإسلامي هو منهج رباني لتقويم السلوك الإنساني، فالإنسان إن لم تضبط سلوكياته بالعلم الجيد وغرس الوازع الديني فلا بد من انحراف سلوكه الذي هو أول خطوة للفساد، والتخبط درجة متقدمة من الفساد.
ثالثا - القانون: إن القوانين التي تنظم حياة الأفراد والمجتمع لها دور كبير في تعديل السلوك الإنساني وتوجيهه للصلاح، فلكل ظاهرة نسبة وتناسب في معالجتها ولا يجدر التخاذل، ما دام ذلك ينعكس سلبا بالإضرار بذات الفرد وأسرته ومجتمعه، ومبدأ الحريات الشخصية له حدود ونظم وإلا سيسلك العالم سلوك البهائم كما هو الحال اليوم من مظاهر سلوكية متعددة، فالقانون يجب أن يحمي الهوية الوطنية من التشويه الخلقي الظاهر من بعض الأشخاص في المجتمع، فلا بد من صرامة القانون وحزمه أمام من يتعدى حدود العقيدة والخلق والسلوك العام، لكي يكون عبرة لغيره.
وأخيرا، إن محركات الإصلاح الثلاثة للمجتمع يجب أن تكون دائما مرنة وقابلة للتجديد وفق العقيدة وتبعا للمتغيرات العصرية الجديدة والتي تخدم متطلبات العصر من تربية وفكر وتعليم وقانون عام ينظم سلوك أفراد المجتمع ويكفل لهم الأمن الاجتماعي.
family_science@