تبعاً لمقال الأسبوع الماضي أستكمل بقية مقومات أقوات الأرض رباعية المصدر، فلولا تلك المصادر التي هي بمنزلة عمليات من أجل الصناعة الحياتية القائم عليها الكون بأكمله والكل مكمل بعضه البعض من أكبر خلق الله إلى أصغره بمنتهى الدقة والإعجاز فسبحان الملك القدوس، وللتذكير فقد ذكرت في المقال السابق، أول تلك المقومات هي المادة السوداء بشرح متواضع أما الباقي فكما يلي:
ثانيا: النسبة والتناسب: تذكر عزيزي القارئ مقال المبادئ الكونية والتي منها النسبة والتناسب، ففي هذا الخصوص يحتاج رسالة دكتوراه دسمة، وإنما اختصر بما يتناسب كثقافة وعلم ينتفع به بإذن الله، يعني النسبة والتناسب توزيع الأقدار لكل شيء خلقة الله عز وجل في هذا الكون الواسع وذلك من أجل:
ـ تحقيق التوازن الكوني إلى التوازن لجميع العمليات البنائية.
ـ وضبط العمليات الكيميائية والتفاعلية.
ـ وتحقيق المرونة.
ـ وتحقيق الحماية لكل شيء.
لقوله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)(القمر:49)، فتدخل النسبة والتناسب في كل شيء في هذا الكون حتى في خلق البشر وحتى حسابهم يوم القيامة قائم على أساس النسبة والتناسب وهي رحمة من الله وعدل ولطف منه، فعلى سبيل المثال والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، نسبة الماء على الكرة الأرضية يقول عز وجل: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)(الأنبياء:30). فلولا الماء لا حياة إطلاقا وذلك لأن الماء مرتبط بالحياة في الآية الكريمة السابقة، حيث إن نسبة الماء على الكرة الأرضية تقدر بـ71% بينما تبقى النسبة المتبقية 29% لليابسة، فماذا يحدث لو كانت النسبة متساوية بالنسبة للماء واليابسة أو اتخذت مقدارا أو نسبة غير ذلك؟
يقول الدكتور عبدالدائم كحيل «أول شيء سترتفع درجة حرارة الغلاف الجوي بشكل يحرق الكائنات الحية على ظهر الأرض ثم إن كمية الأمطار ستقل كثيرا وهذا سيساهم في جفاف الكرة الأرضية وتحولها إلى صحارى بمرور الزمن، كما أن علماء البيئة يحذرون اليوم من أن ذوبان بعض الكتل الجليدية في المحيطات المتجمدة سيجلب على الأرض الكوارث وسيرفع معدل حرارة الأرض بمقدار درجة أو أكثر، وهذا سيسبب الجفاف والعواصف والأعاصير والتسونامي وغير ذلك من الظواهر الخطيرة.
ولذلك فإن حكمة الله تعالى اقتضت أن يختار النسبة الدقيقة جدا لكمية الماء على الأرض، تماما كما اختار النسبة الصحيحة للأكسجين في الغلاف الجوي، فلو كانت أكبر بقليل لتحول إلى غاز منفجر يحرق الأرض بمن عليها، ولو كان أقل بقليل لمات الناس اختناقا، فسبحان الله!»، وكذلك نسبة الماء تتم باعتدال رغم المتغيرات الطبيعية على سطح الأرض، يقول الحق تبارك وتعالى: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) «الحجر:22».
والإشارة العلمية للآية الكريمة أن الأرض من يابسة وماء تحتوي على معادن كثيره، ففي حال نزول الماء من السماء تسقى بها الأرض ومن ثم تحدث عملية التبخر (دورة حياة الماء) لكي لا يزيد عن المعدل الطبيعي للماء أو العكس، وعليه يكمن الضرر على المعادن فلابد أن تظل على نسبتها المقدرة دون زيادة أو تكتل أو ربما فقد لقيمتها، وذلك حماية من ظواهر طبيعية أخرى ممكن أن تحدث للأرض وتضر بالبشرية والكائنات الحيه الأخرى، وكما هو الحال للبشر، حيث إن جسم الإنسان يتخلص من الماء الزائد إما عن طريق البول أعزكم الله أو التعرق، فلو زادت نسبة الماء في جسم الإنسان أو نقص فقد تظهر عليه أعراض مرضية تؤثر على صحته، فلابد من أن تظل المعادن في جسمه على مستواها الطبيعي وهذا ما نجده في تقرير تحليل الدم والنسب المفترض أن تكون عليها تلك المعادن وإلا اختلت صحة الإنسان، وإلى لقاء قريب لاستكمال المقال الأسبوع القادم بإذن الله.
family_science@