تمر علينا هذه الأيام الذكرى ٧٣ للهولوكوست، تلك المذبحة التي ارتكبها الحزب النازي المتطرف والتي كان الهدف منها إبادة اليهود والمثليين والغجر والمعاقين ذهنيا وجسديا، وذلك لخلق مجتمع نازي قوي صحيح معافى بدنيا وذهنيا وسلوكيا، والحقيقة أن هذه السياسة العنصرية هي حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم التي تم ارتكابها في حق الجنس البشري، والتاريخ طافح بالكثير من هذا النوع من جرائم الإبادة الجماعية بدعوى التطهير ولم يسلم منها أي عرق أو دين أو مذهب أو طائفة بهدف القضاء على المخالفين أو المعارضين أو من يمثل عقبة أمام أي مجرم طاغية لا شك أنه مختل عقليا ونفسياً، عديم الرحمة والإنسانية.
ولكن هناك جريمة أخرى لا تقل في بشاعتها عن جرائم الحرب والإبادة وهي جريمة الصمت من المجتمع الدولي حيال هذه الإبادة لمخلوقات كرمها الخالق سبحانه وتعالى عن باقي المخلوقات، فالصامت غير المبالي كالصامت المتشفي، كالصامت المنتفع، كلهم خائنون للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية المشتركة بين الجميع، فاليهودي يتذكر ضحاياه فقط وكذلك المسلم والمسيحي، والمسلم السني يفرح في أخيه الشيعي والعكس، والارثوذكسي يشمت في الكاثوليكي، والبروتستانتي والعكس، كذلك عنصرية البيض والسود والانتقائية في التعاطف.
جريمة معسكرات الهولوكوست لا تقل في بشاعتها عن مذابح وإبادة المسلمين في البوسنة على أيدي الصرب الأرثوذكس، ولا تقل عن إبادة مسيحيي نيجيريا على أيدى تنظيم بوكو حرام المسلم، وإبادة المسلمين في أفريقيا الوسطى وبورما، والأمثلة قريبة لنا في الشرق الأوسط وانتقائية التعاطف المذهبي في العراق وسورية واليمن ولبنان وليبيا، من يتذكر السكان الأصليين من الهنود الحمر في أميركا الشمالية وإبادتهم على أيدى المستعمر الأوروبي الأبيض والصراع البريطاني/ الفرنسي على الأرض وأصحابها الأصليين!!
لذلك على كل فرد منّا قبل أن يتعاطف أن يكون تعاطفه مبنياً على قاعدة إنسانية ترفض قتل الإنسان لأخيه الإنسان أو حتى لحيوان فقتل الأنفس ترفضه كل الأديان والشرائع والقوانين في كل زمان ومكان، ونتذكر قول الله تعالى (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وقوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون).
لا يجب علينا أن نهتز ونتردد ونرضخ للضغوط التي تريد أن تمنعنا من التعبير عن تعاطفنا والتنديد بكل جريمة في حق الإنسانية وحق العيش في أمن وسلام، وأن حق البشر في الحياة الآمنة ليس لعبة في أيدي الطغاة من المتطرفين سياسيا ودينيا، علينا أن نحيي كل ذكرى لكل إنسان بريء فقد حياته من أجل توجه عنصري مجرم لا يقيم للحياة وقدسيتها وزناً.