إعطاء المظهر في حياتنا أهمية تفوق الجوهر ظاهرة مرصودة في مجتمعنا. ذلك ان غياب الانتاج (الحقيقي) في الدولة الرعوية أدى إلى غياب القيم الإنسانية الحقيقية وجعلنا نعلي من الأمور الهامشية المرتبطة بالاستهلاك.
فاذا علمنا أن التفرد أو التميز (طبيعة بشرية) سوف ندرك سر تهافت البعض على الامور الهامشية ومحاولة التميز عن الاخرين عن طريق المظاهر أو القشور أو الألقاب. فالمجتمع المنتج يفرض مقياس صارم للعطاء والتميز لهذا يتسبب غياب العمل الحقيقي بوجود مقاييس وهمية فيلجأ الناس إلى التفاخر بالأوهام والتميز بالمظاهر والانصراف عن الجوهر.
****
الأهازيج الشعبية القديمة سجل موثوق لحياة المجتمع المنتج في الماضي وقد تساعدنا على الكشف عن تفاصيله الخفية. وأشير إلى اهزوجة الفتيان في الموروث الكويتي التي تقول (يا طويل الظهر وين انت رايح.. تحسب الغوص لعبك في البرايح) فالصبية الصغار يهزأون من زميلهم الذاهب إلى الغوص مع الكبار لأنهم يدركون ان الغوص يختلف عن اللعب في البراحات والساحات.
انه مشقة ومقياس (حقيقي) لاثبات تميز الشخصية في زمن كان العمل يحتاج إلى القادرين على البذل والعطاء لا الأدعياء الكذبة. فليس للباحثين عن الرزق في الأعماق وقت للانغماس في التفاصيل الهامشية.
****
أما في الدولة الريعية فمن الطبيعي أن يعطي الناس الهوامش في حياتهم فرصا لا تستحقها حتى غلب الهامش المتن. فأصبح من العيب ان ننادي أحدا باسمه حيث ينبغي ان نقول «ابو فلان» وأمسى الرجل (لا المرأة) يتحرج من امتلاك مقتنيات زهيدة الثمن. وأمست الناس تقترض من المصارف بغرض السياحة في اوروبا.
والوليمة الفخيمة التي تقام لتخرج ضابط غر في الكلية العسكرية أكثر كلفة من الوليمة التي اقيمت للقائد العسكري الشهير مونتغري بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية! وصارت الناس تتوهم ان الطعام «لذيذ جدا وتأكل أصابعك وراه» بسبب فاتورة المطعم الباهظة. آمان يا ربي آمان.
www.salahsayer.com
salah_sayer@