أرقب المساكن والبيوت والأسواق والقلاع والسدود وأرصد حركتها وتطورها عبر التاريخ وفوق الجغرافيا. وتدهشني عبقرية المعمار القديم وقدرته على التكيف مع البيئات والثقافات والأديان والعادات والتقاليد والمناخ والتضاريس المختلفة. فالإنسان الذي غادر الكهوف ابتدع مساكن أخرى بعضها ثابت كالبيوت الحجرية التي عمرها سكان الجبال (أهل الحجر) أو الطينية التي شيدها سكان السهول والسواحل (أهل المدر) وبعضها الآخر محمول فوق ظهر المطايا مثل بيت الشعر الذي سكنه البدو الرحل أو خيم قبائل الطوارق في صحراء أفريقيا.
> > >
تدهشني استجابة المعمار للعوامل الجيولوجية فالمنزل المبني في الجبل تكون مساحته صغيرة بالضرورة بسبب صعوبة قطع الصخر لتسوية أرضية المنزل. وكذلك العوامل النباتية لها تأثير حيث الغرفة القديمة تكون مستطيلة بسبب قصر خشب (الجندل) الذي يستند على الجدران كي يرفع السقف. أما الاستجابة لعامل المناخ فتتجلى في (الباقدير) الذي كان في الأزمنة القديمة يوفر التهوية الرأسية داخل المنزل. وكذلك (الليوان) وهو الممر المفتوح والمسقوف الذي يوفر الظل.
> > >
يعتبر الحوش مثالا صارخا لعبقرية المعمار الخليجي بتفرده وسعة صدره حين يحتضن شجرة السدرة لتصبح احد المرافق النافعة في المنزل. كـــما انه يستـــجيب على نحو واضح للعامل الاجتماعي بتوفيره (خصوصية) تفرضها العادات والتــــقاليد على المرأة مثلما يستجيب للعامل المناخي فيوفر (فسحة مكانية) تتطلبها البيئة الــحارة والحاجة للتهوية. وتلك العـــوامل الاجتماعية تغيب عن البيوت الافريقــــية على سبيل المثال حيث تنـــعدم الاحواش الداخلية. وكذلك البيوت الأوروبية حيث عدم الحاجة للخصوصية تطيح بالجدران وتفتح الحوش على الشارع.
www.salahsayer.com
salah_sayer@