«لا لمصادرة الرأي».. «نعم لحرية التعبير» كانت هذه بعض الشعارات التي نرددها ونرفعها في العديد من العواصم العربية قبل أن نكتشف أن السماح بإبداء الرأي «القاصر أو الحاقد أو الأهوج» أخطر وأبشع من مصادرته.
وان حرية التعبير تنطوي على جرائم تفوق تلك التي قد تحدث نتيجة لقمع الحريات. وان السجين أكثر قسوة من السجان. وأن الرأي الواحد «المسؤول» اكثر أمانا من عشرات الآراء غير المسؤولة.
وان الحديث عن الديموقراطية خطر ساحق ماحق ما لم يسبقه الحديث العميق عن «الإنسان الديموقراطي» الذي في غيابه تتحول الديموقراطية إلى شريعة غاب يستقوي بها الحوت على البلم والذئب على البهم.
****
شرط «الإنسان الديموقراطي» بدهية ساطعة تغيب للأسف عن أذهان الكثيرين في المجتمعات العربية رغم الشواهد الدامية والمؤلمة، ورغم الخسارات والتراجعات الكثيرة التي نجمت عن تطبيق «الديموقراطية السياسية» المتمثلة في الانتخابات، حيث الصناديق المسحورة تتحول إلى سلالم يصعد عليها أعداء الديموقراطية والحرية.
ويمكن ملاحظة تصويت الناخبات الكويتيات في الانتخابات البرلمانية لصالح المرشحين المعروفين بعدائهم لحقوق المرأة السياسية. ففي الديموقراطيات العربية يفوز من يؤمن بأن الديموقراطية كفر(!) وفي مهرجان الحرية يصمت الأحرار ويصابون بالخرس.
****
دون الحصول على موافقة الحكومات وبفعل ثورة الاتصالات أضحت حقوق الرأي مكفولة ومضمونة للجميع. خاصة للسادة الجهال التافهين ومن لا يملكون رأيا، ولا يعرفون معنى الرأي ولا يفرقون بينه وبين الشتيمة.
وأمست الدنيا «مريس وهريس» بفضل مستر «تويتر» والأربعين مغردا. فازداد الحنين إلى أيام الطغيان وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات (!) في الأنفس الحرة الأبية.
بعد أن تبين الخيط الأبيض من الأسود وانكشفت أسرار الذهنية المتوحشنة فينا، وافتضحت شهوتها الدموية المستترة بقناع الديموقراطية، حيث لا احد يرضى بغير العنب.. وقتل الناطور.
www.salahsayer.com
salah_sayer@