(قبل أن نعدد مختلف المواقع المتميزة الواقعة على طول دجلة والفرات فلنتابع مجرى هذين النهرين الجليلين، ولنتفحص طبيعة الأرض التي يرويانها.
ولا أود الصعود إلى منابع هذين النهرين ولا امتداح جودة المياه فيهما.
لكنني أبدأ بالقول: انه لو أتيح لدجلة والفرات أن يجتازا بلاد الإغريق أو ايطاليا لرأينا الشعراء يسارعون إلى التنافس في الترنم بمظهرهما الرائع، ويروق لهم الاحتفال بجمالهما الخاص، وبالبهجة التي تشيع لدى الآلهة المتخيلة التي تسكن فوق أمواجهما الفضية).
***
الفقرة السابقة منقولة من كتاب «وصف بغداد» الذي وضعه المستشرق المسيو «جان باتيست لويس جاك روسو» قنصل فرنسا في بغداد في مطلع القرن التاسع عشر الذي يضيف بقوله: «اما القرنة فهي مدينة تقع في ملتقى نهري دجلة والفرات وتتيح للرائي منظرا جليلا بسبب موقعها المتميز، ولطف التنوع في الأراضي الخصبة التي تحدق بها.
ونرى في معظم الأحيان جماعات كثيرة العدد من النساء والفتيات ينتقلن من جانب النهر إلى جانب آخر على القرب المنفوخة والصدى يرجع ألحان غنائهم في أثناء العبور».
***
قبل أن يصل القنصل الفرنسي إلى بغداد بآلاف السنوات كان هذان النهران في حالة جميلة وساحرة، أما اليوم وبعد قرنين من مشاهدات القنصل الفرنسي نقرأ في تقرير لجامعة بابل يقول عن هذين النهرين المنهكين:«إن المنشآت الصناعية والتجمعات المدنية تطرح في الأنهار مواد ملوثة وسامة مثل الرصاص والزئبق وأصباغا ذائبة وحوامض الكبريتيك وكربونا عالقا وزيوتا نفطية ومساحيق تنظيف، ونتيجة تناول الإنسان هذه المياه الملوثة سواء بالشرب أو السباحة أو استعمالات أخرى تؤدي إلى إصابته بأمراض مختلفة) فأي مصير بائس انتهى إليه الماء؟
www.salahsayer.com
@salah_sayer