لم يتوقع البريطانيون بعد نجاح استفتائهم في الخروج من الاتحاد الأوروبي أن يدخلوا في دوامة آلية الخروج منه كما لو أنهم - على حد قول بعض مثقفيهم - قد ولجوا ثقبا أسود امتص طاقة سياسييهم وتركهم في وضع لا يستطيعون التفلت منه بعد أن فشلت رئيسة الوزراء ماي ثلاث مرات في كسب ثقة البرلمان بتأييد مقترحاتها في الخروج مع استقالة سبعة وزراء من حكومتها احتجاجا على تلك المقترحات ومطالبة كوربن لها بالاستقالة وهي حالة من الفوضى السياسية لم تشهدها بريطانيا من قبل وقد علق عليها المؤرخ البريطاني ديفيد ستاركي بقوله «يبدو لي أن ديموقراطيتنا التي بدأناها قبل 800 سنة تتبدد الآن أمام أعيننا» وإن كان تعليقه مبالغا فيه، فبريطانيا ليست جمهورية انقلابات كما يحدث في جمهوريات العالم الثالث. ومن قبيل الصدفة أن يقترن وصف المأزق البريطاني بدخول الثقب الأسود الأوروبي نجاح علماء الفلك منذ أيام بتصوير ثقب أسود وبشكل واضح وهو إنجاز علمي غير مسبوق داخل مجرة M87 ما أثار اهتمام العالم على اعتبار أنه كشف عن ظاهرة فلكية عظيمة تتعلق بموت النجوم. أخيرا حصلت ماي على موافقة الاتحاد الأوروبي بتأجيل الخروج عدة أشهر ليكون الموعد النهائي هو 31 من شهر أكتوبر القادم على أمل أن يصل البرلمان البريطاني إلى قناعة بتعديلات الخروج. كان الدافع وراء خروج بريطانيا هو الضغط الشعبي حيث ان ما يقارب النصف ممن صوت مع الخروج لا يحتملون وجود عمالة أوروبية على أرضهم خاصة من الپولنديين ومن أوروبا الشرقية رغم قوانين الاتحاد التي تسمح بذلك. ومع أن بقاء بريطانيا يعزز من قوة اقتصادها لكن كراهيتهم للأجانب وتنامي الشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة بزعامة الرئيس العنصري ترامب لعبتا دورا كبيرا في تأجيج مشاعر الخروج الذي صار عبئا على بريطانيا لفترة زمنية طويلة لم يحسب لتداعياتها حساب. ومع ذلك فقرار الخروج البريطاني كان شعبيا ولا يمكن لبريطانيا أن تتراجع عنه وإن كان يستوجب انسلاخا من أسرتهم الأوروبية، فهم يعرفون ماذا يفعلون على عكس الوحدة العربية التي تمت عام 1958 بين مصر وسورية وتهاوت في العام 1961 لأنها كانت بقرارات عسكرية عاطفية متسرعة غير مدروسة ولم يكن للشعبين أي دور فيها غير ترديد الأغاني الوحدوية وتسيير المواكب الاحتفالية.
***
تشجيع ترامب للعسكري حفتر على هجومه على العاصمة الليبية طرابلس بمكالمة هاتفية هو عمل عدواني ضد الشعب الليبي وحكومة الوفاق المعترف بها دوليا. كان عليه المساهمة في حل الأزمة الليبية سياسيا وليس تدمير العاصمة لكن يبدو أنه متعطش لسفك دماء الليبيين بعد سفك دماء السوريين والعراقيين ولفرض قذافي جديد في ليبيا.