يبدو واضحا أن السلطات الصينية وعلى غير عادتها تتعامل بنعومة حتى الآن مع التظاهرات في هونغ كونغ على اعتبار أن مواطني المدينة التي تسلمتها من بريطانيا في العام 1997 بعد مائة عام من اتفاقية ناجينغ لا يزالون مرتبطين بثقافتهم البريطانية، واستخدام القوة المفرطة مع المتظاهرين الذين يرفضون إجراء محاكمات لناشطيهم السياسيين المعارضين خارج مدينتهم من قبل القضاء الشيوعي سيكون مبررا لإثارة الحكومة البريطانية وتحريك الإعلام الغربي ضد تعسف السلطات الصينية في انتهاك حقوق الإنسان، وهو أمر طالما تحاشت الصين إثارته لأنه من أشد ملفاتها سوادا.
ولا يخفى أن الصين تراقب عن كثب التغطية الإعلامية الغربية لاحتجاجات سكان هونغ كونغ، وتدرك مدى خطورة الانزلاق في قمع الاحتجاجات، وهي تعيش حالة حرب اقتصادية مع الولايات المتحدة، بينما يوجه لها وزير الخارجية البريطاني جريمي هانت تحذيرا شديدا إن هي استخدمت العنف مع المتظاهرين.
لن تقدم الصين على إنشاء مراكز لمسخ الشخصية الغربية لسكان هونغ كونغ أو بعزل الأطفال عن أسرهم وتنشئتهم على الثقافة الشيوعية كما فعلت مع سكان وأطفال إقليم شينجيانغ المسلم المحتل منذ أربعينيات القرن الماضي، كما لن تجرؤ على اتباع سياسة الاعتقال والتعذيب من أجل إرهاب سكان هونغ كونغ كما تفعل مع مسلمي شينجيانغ.
وفي هونغ كونغ مئات الكنائس المسيحية ومئات المعابد البوذية والعديد من المساجد ومعابد الديانات الأخرى، وسيكون التعرض لها وتطبيق القانون الشيوعي فيها الذي يحظر ممارسة الدين أمرا مستحيلا، وهو من الأمور التي تجلب الصداع للحكومة الصينية، وربما وضعها في حيرة من أمرها مع تحسبها لخطورة الثقافة الديموقراطية العميقة لسكان هونغ كونغ على نظامها الشيوعي المغلق على اعتبار أنها مصدر تنوير ديموقراطي داخل قلعتهم الشيوعية المظلمة، ومحل إلهام لإثارة هواجس حقوق الإنسان ورفع القيود عن حرية التعبير والممارسة السياسية لدى المعارضة الصينية والمتعاطفين معها والتي تحرص الصين على كبح جماحها وتكميم أفواهها بكل الوسائل الإرهابية.
تمادت الحكومة الشيوعية في قمع مسلمي الإيغور أمام صمت العالم وخصوصا العالم الإسلامي وشجعها على ذلك دعاية الإسلاموفوبيا التي يبثها الإعلام الغربي، لكنها تعيش اليوم أمام خيارين كلاهما مر، فإما أن تقوم بقمع سكان هونغ كونغ بلا هوادة وما يعنيه ذلك من إثارة الغرب ودفعه لفضح سياساتها القمعية وعدم احترامها لحقوق الإنسان مع ممارسة الضغط عليها أو أن تكتفي بالسكوت الذي يعني السماح لانتقال عدوى الثقافة الديموقراطية عدوها اللدود إلى الشعب الصيني ومطالبته بالإصلاح السياسي.
***
بعد 18 عاما من حملتهم العسكرية في أفغانستان، اقتنع الأميركان بعدم جدواها في إخضاع الشعب الأفغاني، وها هم اليوم يدخلون في محادثات مباشرة مع «طالبان» أملا في توقيع اتفاقية معهم قبل مغادرتهم للمستنقع الأفغاني الذي ورطهم فيه يمينوهم المتطرفون.