تلاشى النفوذ العربي بعد تدهور دولة بني العباس الإسلامية، لكن بقيت ديار المسلمين محصنة بعد تسلم المماليك السلطة، حيث هزموا جحافل المغول الغزاة في معركة عين جالوت عام 1260م، ومن قبلهم الأيوبيون الذين تصدوا للصليبيين المعتدين وهزموهم في معركة حطين عام1187م وقضوا على الدولة الفاطمية التي كانت تتآمر على الخلافة الإسلامية في بغداد.
وفي القرن الخامس عشر ظهرت الدولة العثمانية لتواصل الدفاع عن العالم الإسلامي، فقد تصدت من الشرق للدولة الصفوية التي كانت تحاول بسط نفوذها على بلاد المسلمين ومواصلة سياسة التطهير الطائفي فيها وهزمت الصفويين في معركة جالديران عام 1514م، حيث وضعت حدا لأطماع الصفويين في ديار المسلمين، كما تصدت الدولة العثمانية من الغرب لمحاولات الإسبان والبرتغاليين الكاثوليك المتطرفين في التغلغل داخل بلاد المسلمين، وأفشلت تحالفهم مع الدولة الصفوية في الاستيلاء على مقدسات المسلمين في مكة والمدينة والقضاء على الإسلام حسب زعمهم.
وكحقيقة تاريخية فإن الفضل يرجع إلى الأتراك العثمانيين في صون بلاد المسلمين ضد أعدائهم من الشرق والغرب على مدى أربعة قرون.
لكن دوام الحال من المحال، فقد انهارت الدولة العثمانية كما انهارت الإمبراطورية الهنغارية النمساوية بعد الحرب العالمية الأولى، وبدأت حقبة جديدة في تاريخ تركيا والتي يراد أن تكون علمانية قومية كهوية بديلة عن هويتها الإسلامية العريقة.
وقد ابتلي الأتراك بزعاماتهم القومية المتهورة الذين استولوا على السلطة وبدأوا قبل كل شيء معركتهم مع الإسلام ومسح تراثه وقطع الصلة مع عالمهم الإسلامي، حيث فرضوا الحرف اللاتيني كبديل للحرف العربي السائد، بل وحتى الطربوش التركي والحجاب لم يسلما من تهور القوميين الأتراك عندما فرضوا قانونا يحظر لباسهما الأمر الذي يؤكد أن الهدف لم يكن النهوض بتركيا بقدر ما هو الانتقام من الإسلام ومسح هوية شعب تركيا المسلم لكنهم فشلوا.
كما ابتلي العرب بالقوميين العرب الذين جعلوا العروبة بديلا عن هويتهم الإسلامية وعادوا الدولة العثمانية وتحالفوا مع الإنجليز ونجحوا في طرد الحاميات العثمانية من أراضيهم ليحل محلها المستعمر الإنجليزي وحليفه الفرنسي، وبذلك مهدوا الطريق أمام تسليم فلسطين لليهود بعد أن كانت في عهدة الدولة العثمانية وتحت حمايتها.
ضربت أوروبا موجات قومية عنيفة لكنها لم تنتقم من ديانتها المسيحية حتى أن علمانييهم يفتخرون بتراثهم المسيحي وممالكهم وامبراطورياتهم المسيحية، ولا أدل على ذلك من حزن الفرنسيين العلمانيين وحرقتهم على احتراق كاتدرائية نوتردام في باريس أبريل الماضي وهي من معالم تاريخهم المسيحي، وقد وعد الرئيس ماكرون بإعادة بنائها، لكن هذه المشاعر لا تجدها لدى القوميين الأتراك أو القوميين العرب تجاه تراثهم الإسلامي أو ممالكهم الإسلامية التي يحاولون تشويهها بكافة الطرق، ربما لأنهم ليسوا قوميين أو علمانيين بمعنى الكلمة أو ربما لأنهم جاءوا من أجل مهمة محددة منوطة بهم.
***
بعد ربيع الشباب العراقي تبعه ربيع الشباب اللبناني ليعبروا عن رفضهم للواقع الطائفي المزري الذي أوصلهم إلى حالة البؤس والشقاء.
لقد فشلت الطائفية السياسية في خدمة الشعبين العراقي واللبناني بجميع طوائفهما وعليها تسديد فاتورة الفشل أمام شعبيهما.
لا تزال منطقتنا العربية تعيش مخاضا ربيعيا.