آخر ما كان يتوقعه النظام الإيراني من الأميركيين هو تصفية جنرالهم سليماني المقرب من مرشدهم خامنئي، وهو دليل على حسابات النظام الخاطئة في اللعب بالنار مع الأميركيين الذين تغاضوا عنه وسمحوا له ببناء نفوذ إيراني سياسي وعسكري في العراق وسورية وأطلقوا يده في قتل وتهجير وإرهاب مئات الآلاف من أبناء الشعبين السوري والعراقي، مما يعتبر جرائم حرب في عرف القانون الدولي. كان اغتيال سليماني ونائب الحشد الشعبي جمال جعفر المهندس في مطار بغداد ضربة وقائية قاسية منعت ميليشيات الحشد الشعبي (الشيعي) المؤتمرة بأمر سليماني من تكرار الاعتداء على السفارة الأميركية في بغداد وكان احتمالا واردا يذكر بحادث اقتحام السفارة الأميركية في طهران من قبل الطلبة الإيرانيين عام 1979 خلال الثورة الخمينية.
امتدت مراسم دفن سليماني عدة أيام وكانت فرصة ذهبية انتهزها النظام الإيراني للشحن الشعبي وقرع طبول الحرب ضد الولايات المتحدة للتغطية على انتفاضة الشعب الإيراني ضد حكومته بعد رفعها أسعار الوقود في نوفمبر الماضي، وقد قتل فيها المئات من الإيرانيين واعتقل الآلاف الذين يعارضون مغامرات حكومتهم التي جلبت لهم ظروفا اقتصادية سيئة ومستقبلا مجهولا.
وبالرغم من التحشيد الإعلامي ووعيد كبار قادته العسكريين للأميركيين فإن النظام الإيراني شعر بحرج شديد في الرد على اغتيال سليماني أمام توعد الرئيس ترامب بتدمير 52 هدفا داخل إيران إذا ما أقدم النظام الإيراني على تنفيذ وعيده وتهديد أرواح الجنود الأميركيين.
وكان من المتوقع كالعادة أن يتراجع النظام الإيراني عن تنفيذ تهديداته النارية للأميركيين وأن تقتصر على عملية عسكرية محدودة لحفظ ماء الوجه، حيث قام وبعد إخطار الأميركيين عن طريق الحكومة العراقية بإطلاق بعض الصواريخ على قاعدتي عين الأسد وأربيل الأميركيتين تسببت بأضرار مادية طفيفة دون أن يخدش جندي أميركي واحد فيهما ليعلن بعد ذلك بسذاجة لافتة أنه وجه صفعة للأميركيين، الأمر الذي أراحه من مغبة المواجهة غير المتكافئة معهم وما قد ينتج عنها من دمار لقوته العسكرية ومن كارثة حتمية لوضعه الاقتصادي في الوقت الذي يعاني فيه من تراجع شعبيته بعد انتفاضة الوقود التي كانت مؤشرا حقيقيا على سوء الأوضاع المعيشية التي لا يمكن للشعب الإيراني تحملها.
وبذلك تحولت قضية اغتيال سليماني من ثأر واجب إلى حادث عرضي دعائي بالنسبة للنظام الإيراني تفاديا لما هو أعظم وحفاظا على مكتسباته في العراق وسورية، ناهيك عن قبوله بالخطوط الحمراء الجديدة التي خطها الأميركيون له وللحشد الشعبي في العراق مع سكوتهم على مغامراته التي تستهدف زعزعة أمن منطقتنا العربية، بينما العرب خارج التغطية متفرقون ومنهمكون في خلافاتهم.