تتجلى عظمة الإسلام في كونه دينا شموليا يتفاعل مع جوانب الحياة بكل أبعادها، حتى انه وبعد 14 قرنا منذ رسالته لم تتوقف عجائب عظمته. ارتقى الإسلام بالمسلمين عندما أمرهم بالاعتناء بنظافة أبدانهم وجعل الوضوء شرطا في صحة صلاتهم، كما أوجب عليهم الغسل من الجنابة وحثهم على غسل يوم الجمعة والتطيب لها ولبس الملابس الأنيقة والنظيفة، فيوم الجمعة عيد من أعياد المسلمين يلزم تعظيمه.
فم الإنسان الذي هو منفذ طعامه وشرابه أولاه عنايته، حيث حث على استخدام السواك كفرشاة طبيعية في تطهيره وتنظيف الأسنان وإزالة بقايا الطعام فيها من قوله صلى الله عليه وسلم «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».
ونهى عن أكل الثوم أوالبصل ثم القدوم إلى المسجد للصلاة أو إلى المجالس لأن رائحتهما تؤذي المصلين وجلساء المجلس، ومن قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته».
وأمر الإسلام بتجنب الإكثار من الطعام لأن الإكثار منه يفوق حاجة الجسد ويؤدي إلى الخمول وزيادة الوزن، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». وحث الإسلام المسلمين على التداوي من الأمراض فجاء في الحديث الشريف «إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام» وقطع بذلك الطريق على من يعتقد بعدم جدوى التداوي والاكتفاء بالتوكل على الله من دون بذل الأسباب.
ومن عجائب هذا الدين أنه جعل الوقاية من المرض المعدي مبدأ صحيا لتجنب الإصابة به ومنع انتشاره. فقد أمر صلى الله عليه وسلم بتجنب مخالطة مرضى الجذام «فر من المجذوم فرارك من الأسد».
والجذام مرض تسببه بكتيريا تصيب الأطراف كالأيدي والأرجل بتقرحات شديدة تؤدي إلى فقدانها. وهذا المبدأ الوقائي يتجلى بكل وضوح في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها».
والطاعون مرض معد من أشد الأمراض فتكا بالبشرية قضى على آلاف الكويتيين عام 1831 والمعروفة بسنة الطاعون. ذكرت كتب السيرة طاعون عمواس وهي قرية صغيرة في فلسطين وكان في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتسبب في موت الكثير من المسلمين ومن بينهم العديد من الصحابة رضي الله عنهم. ولما تفشى الطاعون في عمواس امتنع الخليفة عمر رضي الله عنه عن دخولها وكان قادما إليها من المدينة. وقد عابه على ذلك عبيدة بن الجراح رضي الله عنه «أفرارا من قدر الله؟»، فقال عمر: «لو غيرك قالها يا أبا عبيدة» ثم قال عمر: «نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله...» أي من الوباء إلى السلامة وكلاهما تحت طائلة القدر.
اليوم قررت العديد من دول العالم منع السفر من وإلى الدول الموبوءة بتفشي وباء كورونا المفاجئ كما تفرض الدول الموبوءة إجراءات مشددة في منع مواطنيها من التنقل بين المدن المصابة به من أجل احتوائه وضمان عدم انتشاره. عجيب أمر الإسلام أن يكون قد سبق علم الصحة الحديث بهذه القاعدة الوقائية.