أفغانستان بلد شعبه قبلي يعتز بإسلامه ويعرف عنه بأنه مقاتل شرس لا تفتر عزيمته في مقاومة المحتل الأجنبي.
احتل الجيش الإنجليزي مدينة كابل عام 1838 من أجل حماية مستعمرته (الهند) من الروس.
دوخ الأفغان الجيش الإنجليزي بكثرة ما تعرض له من هجمات، وقتل الكثير من جنوده، حيث كان الأفغان يشنون حرب عصابات وكانوا يستعينون بالجبال كملاذات آمنة لهم وبشعابها ووديانها التي يجهلها الإنجليز الغرباء.
تشرح المؤرخة البريطانية ديانا برنستون في كتابها (الموكب الداكن) الهزيمة التي مني بها الجيش الإنجليزي وكيف خسر فيها غالبية جنوده وقتل السير وليم مكناتن وتعليق جثته في سوق المدينة بعد حصار الحامية العسكرية البريطانية التي بادرت على الفور بالانسحاب المذل من أفغانستان في العام 1842، ولخصت المؤرخة هزيمة جيش بلادها بأنه «تراجيديا شكسبيرية»! في أواخر القرن العشرين احتل الجيش الأحمر السوفييتي أفغانستان ولسوء حظه تعثر في المستنقع الأفغاني ولم تسعفه إمكاناته العسكرية الهائلة في كسر شوكة وثني عزيمة المقاتلين الأفغان وحلفائهم من الجهاديين الذين لم يكونوا بمستوى التسليح السوفييتي إلا من الدعم العسكري المحدود الذي كان يقدمه الأميركان لهم على هيئة ذخيرة وألغام وصواريخ ستينغر تحمل على الكتف.
جن جنون السوفييت وبذلوا قصارى جهدهم لإخضاع الشعب الأفغاني المسلم فارتكبوا أبشع المجازر مع المدنيين ودمروا القرى والبلدات لكنهم فشلوا بل كان غزوهم لأفغانستان سببا في تعجيل تدهور اقتصادهم الهش الذي كان سببا في انهيار اتحادهم وتفككه.
حقا كانت أفغانستان مقبرة للجيش الأحمر لم يدم احتلاله لها أكثر من عشر سنوات لينسحب مطرودا منها في العام 1989 وكانت هزيمته موضع تندر وشماتة بين بلدان العالم خاصة الأميركان وحلفاءهم الغربيين.
لم يستوعب الأميركان تراجيديا الغزو الإنجليزي والغزو السوفييتي وأصروا على غزو أفغانستان انتقاما لحادث الحادي عشر من سبتمبر 2001 رغم أن الرئيس السوفييتي السابق غورباتشوف كان قد نصحهم وحذرهم بأن غزوهم لها لن يكون نزهة.
وبكل غطرسة وعنجهية أعلنوها حربا صليبية لا هوادة فيها على أفغانستان مع حلفائهم الإنجليز والكنديين والاستراليين وقد نجحوا في إزاحة حكومة طالبان وإقامة قواعد لهم على الأرض الأفغانية لكنهم فشلوا فشلا ذريعا في السيطرة على الأرض الأفغانية والقضاء على مقاتلي طالبان الذين نجحوا بأسلحتهم المتواضعة وتكتيكاتهم العسكرية القديمة دونما دعم خارجي في إنهاك تحالف يتمتع بإمكانيات عسكرية ولوجستية خيالية. صدقت مقولة غورباتشوف إذ خسر الأميركيون الحرب.
بالأمس القريب وبعد 19 عاما من الاحتلال وقع الأميركان اتفاقا تاريخيا مع طالبان تنسحب بموجبه القوات الأميركية من أفغانستان خلال 14 شهرا.
غاية في المتعة أن تستمع إلى تغريدة رئيس أقوى دولة في العالم وهو يحدثك بصراحة عن مقاتلي طالبان «لقد أخبرني جنرالات الجيش أن الربيع قادم وستخرج طالبان من الجبال للقتال.. إنهم يقاتلون.. هذا ما يفعلونه.. إنهم مقاتلون جيدون.. يستمتعون بالمعارك..
كما نستمتع بمشاهدة كرة القدم.. أسألوا روسيا عن قوتهم» لقد أوجعهم مقاتلو طالبان وكبدوهم خسائر مالية تفوق تريليون دولار، ناهيك عن عشرات الآلاف من الجنود القتلى والمصابين والمعاقين. تحية للشعب الأفغاني المسلم لم ينحن لأعتى قوى العالم.