شهد هذا العام تطور الذكاء الاصطناعي بين العديد من الاستخدامات المستقلة في الروبوتات والمركبات والطائرات من دون طيار والأجهزة الطبية والصناعية المختلفة. وهي تعمل جميعا بدرجات متفاوتة من القدرة والتنسيق والذكاء. وتظهر تباشير العام المقبل تحقيق المزيد من التطورات للوصول إلى قدرات اعلى تقارب العقل البشري في عملية صنع القرار، والإدراك، أو التعلم للأغراض العامة.
لدى كتابة هذه السطور، تحتدم منافسة ساخنة في الولايات المتحدة وحول العالم مستخدمة قدرات مشتركة من الذكاء الاصطناعي لإنشاء آلات يمكنها حتى تعليم وتطوير أنفسها. هذا ما تنبأ به الرائد المستقبلي جيمس لوفلوك البالغ من العمر 100 عام في كتابه الأخير «Novacene» أو «العصر الجديد»، راسما تفاصيل التطور المقبل للإنسانية الذي يغذيه الذكاء الاصطناعي.
حسب رأي هذا الباحث، لقد بدأت بالفعل بوادر العصر الجديد مع جوجل «الفا زيرو» كنقطه انطلاق أولية. هذه الآلات قد تتفوق على البشر كنوعية حياة متطورة، كونها الطفرة القادمة من الحياة الذكية على الأرض. ويحذر من ان البشر قد يتخلون قريبا عن مكانتهم الرئيسة لإبداعاتهم الذكية المصطنعة. وهو عصر جديد في الواقع، يمكن ان يكسف البشر إزاء هذه الآلات!
لقد أطلق على هؤلاء «المتفهمين» المستقبليين تسمية «سايبرغ»، آلات العصر القادم التي تتولى تصميم وبناء أنفسها. ويؤكد انه في هذا المشهد الجديد، لن يكون استبدال البشر بالضرورة تحولا قسريا، بل بكل بساطة، تطورا مرنا وتدريجيا.
هذه العملية مستمرة بالفعل عن طريق أنظمه الذكاء الاصطناعي المتقدمة والتي تم تطويرها مثل الفا/غو، والفا/زيرو وديب/مايند. هذه الأنظمة الذكية، والقادرة على تطوير ذاتها باستمرار، تشكل محورا رئيسيا نحو الانتهاء من تكوين «المشهد/ الجديد»، على حد قول لوفلوك.
ويعتقد لوفلوك أن الخطوة الحاسمة التي كرست العصر الجديد كانت الحاجة إلى استخدام أجهزة كمبيوتر تصمم وتبني أنفسها، حيث يظهر نمط جديد من الحياة الذكية على الأرض من قبل رائد سابق ذكي صنعه واحد منا، ربما مما هو مثل الفا/ زيرو.
لقد تردد صدى هذه التوقعات خلال مقابلة تلفزيونية أجريت مؤخرا صرح خلالها ايلون مسك، مؤسس شركتي تسلا للسيارات الكهربائية وسبيس/اكس، ان أجهزة الكمبيوتر أصبحت على قدر من الذكاء بحيث لن يمضي وقت طويل لتتجاوز الذكاء البشري نفسه.
خلال مؤتمر حول الذكاء الاصطناعي العالمي في شنغهاي، قال مسك لجاك ما، رئيس مجلس إدارة شركة «علي بابا» للتجارة الرقمية، انه «يضمن ان أجهزة الكمبيوتر ستتجاوز البشر ذكاء في نهاية المطاف وعلى مختلف الصعد». وأضاف: «أول شيء يجب ان نفترضه هو اننا أناس أغبياء، عندما نتوصل إلى تطوير الأشياء لتصبح أكثر ذكاء من أنفسنا». وأكد يقول: «سجلوا كلماتي هذه: سيكون الذكاء الاصطناعي أخطر بكثير من الأسلحة النووية. فلماذا لا نزال نفتقر لأية رقابة تنظيمية تشمله؟» ومع كل مخاوفه من هذه التكنولوجيا القادمة، فإنها لا تزال موضع اهتمام كبير بالنسبة له. ففي سنة 2015، وخلال حشد من عباقرة هذه التقنيات، تبرع بمليار دولار لأبحاث مجموعة «OpenAI»، لتمكينها من المضي قدما في هذا الذكاء الرقمي لصالح البشرية جمعاء.
هذه المجموعة نفسها، هي التي تعمل بالفعل على خطة دؤوبة لمساعدة من يعانون من الشلل، بهدف مساعدتهم على القيام بأي حراك إرادي، بمجرد التفكير في مثل هذا الحراك.
إلى جانب ذلك، يخطط مسك لإطلاق شبكة أقمار اصطناعية ضخمة تكلف نحو عشرة مليارات دولار لتغطي الكرة الأرضية بشبكة إنترنت سهلة ومتاحة. وقد طلب الإذن فعلا من الحكومة الأميركية للحصول على شبكة أقمار اصطناعية ضخمة تناهز الـ 5000 لتأمين تغطية سريعة وعالمية. وقد صمم هذا النظام، الذي يطلق عليه اسم «SpaceX» لتقديم خدمات الإنترنت الرخيصة إلى أي كان على سطح الكوكب مع نطاق ترددي غير مسبوق، بدلا من جميع الكابلات والألياف البصرية وأنظمة الإنترنت الأرضية الأخرى المتاحة حاليا.
وليست هذه بأي حال هي نهاية الطريق للعجائب التكنولوجية في هذا العصر. «ديب مايند» أو «الفكر المعمق» على سبيل المثال، التي تأسست في لندن سنة 2010 ويجري تطويرها الآن في كندا وكاليفورنيا، تهدف إلى دفع حدود الذكاء الاصطناعي إلى أبعاد أخرى. ويمكننا الآن تصور آلة يمكنها حل أي مشكله معقدة دون الحاجة إلى مساعدة عملية، أو واحدة يمكنها تصحيح أو تجديد نفسها. وعندما يؤتي هذا المسعى ثماره الواقعية، سيكون أحد أهم التطورات العلمية التي ابتكرت على الإطلاق وأكثرها فائدة. العديد من اللدائن هي الآن مشتقات وتطبيقات «ديب مايند» بما في ذلك ألعاب التسلية الأكثر تعقيدا وبديهية من أي وقت مضى. هذا هو غيض من فيض عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، والأبواب المستقبلية لا تنفك مشرعة أمام روادها.
[email protected]