ذكرنا في الحلقة السابقة من هذا المقال أن هناك الكثير من التصريحات المعلنة والرغبة الصادقة لدى دول مجلس التعاون الخليجي في تنمية وتطوير مصادر الطاقة البديلة لدى هذه البلدان. لكن ما هو واقع الطاقة البديلة في دول مجلس التعاون والى أي مدى تحولت هذه التصريحات والخطط المعلنة الى واقع ملموس؟ في الواقع لا يمكن تقديم اجابة عامة وشاملة عن هذا التساؤل بسبب التفاوت في استخدامات الطاقة البديلة في دول مجلس التعاون بالشكل المبين أدناه.
البحرين
لايزال الوقود الحفري يمثل المصدر الرئيسي لاحتياجات المملكة من الطاقة في مقابل استخدامات محدودة للطاقة البديلة. على صعيد الطاقة الشمسية نجد انه على الرغم من تمتع البحرين بامكانيات عالية لتوليد الطاقة الشمسية وعلى الرغم من احتياجاتها المتزايدة للكهرباء الا انه من الملاحظ ان مشروعات الانشاء والبناء لا تعتمد على الطاقة الشمسية مع سهولة تركيب الواح الطاقة الشمسية على الأسطح ذات التعرض الكبير والمباشر للشمس لتشغيل أجهزة التبريد والتكييف وغيرها. ويعتبر مركز التجارة العالمي في البحرين هو المشروع الوحيد الذي يستخدم ثلاثة توربينات turbines رياح متوازية لتوليد ما يقرب من 0.66 ميغاواط لكل توربين مشكلا ما يقرب فقط من 11-15% من متطلبات الطاقة لهذا المشروع.
وفي الواقع فانه من الملاحظ انه على الرغم مما تمتلكه البحرين من مقومات بيئية ممتازة تساعد بشكل كبير في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الا ان الخطوات المتخذة لاتزال مترددة وبطئية حيث لا يوجد في المملكة اي من مشاريع الطاقة البديلة الضخمة التي تعكس وجود ارادة جادة لتنمية هذا المصدر. وتشير الدراسات الى أن المعوق الرئيسي أمام التوسع في استخدام مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البحرين هو ارتفاع التكلفة وغياب التكنولوجيا المتقدمة للتعامل مع هذه المصادر.
ولكن مقارنة بالتكلفة الكبيرة التي تتحملها ممكلة البحرين في دعم الكهرباء للمواطنين فان مسأله ارتفاع تكلفة مصادر الطاقة البديلة يظل أمرا يحتمل الكثير من الأخذ والرد. في 2008 قامت حكومة المملكة بمساعدة البنك الدولي بوضع استراتيجية طويلة الامد لتنمية مصادر الطاقة البديلة ولكن على مدار عقد لم يتم اتخاذ الخطوات الجادة التي تكفل ترجمة هذه الاستراتيجية الى واقع ملموس.
كذلك في 2009 وضع خبراء الطاقة في دولة البحرين خطة تهدف الى استثمار ما يقرب من 900 مليون دولار في الفترة من 2010 الى 2020 لتوليد ما يقرب من 1000 ميغاواط كهرباء من الطاقة البديلة ولكن لم يتم التحرك الى الامام في هذا الصدد.
الكويت
في الواقع ان المتطلبات والاحتياجات المتزايدة للكويت من الطاقة تشكل ضغطا كبيرا على الحكومة الكويتية التي تعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز الطبيعي في تلبية احتياجاتها من الطاقة. في نوفمبر 2016، أظهر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح التزام البلاد بالجهود الدولية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال حضور مؤتمر الأمم المتحدة COP22 بشأن تغير المناخ في مراكش. قبل أربع سنوات، في مؤتمر COP18 في الدوحة، ذكر الشيخ صباح أن الكويت سوف تهدف الى تلبية 15% من احتياجاتها من الطاقة من خلال الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وفي حين تمثل نسبة 15% النسبة المستهدفة لحكومة الكويت من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، الا انه الى الآن لم يتم نشر أي خريطة طريق تعطي مؤشرات واضحة عن حجم الطاقة التي يمكن توليدها من الطاقة الشمسية أو الرياح. ومن المتوقع ان يصل عدد سكان الكويت بحلول 2030 الى 6 ملايين نسمة فان الدولة سوف تحتاج الى تركيب مصادر طاقة بقدرة 28.8 غيغاواط.
أولى الخطوات الفعلية نحو تحقيق رؤية صاحب السمو الأمير بدأت في 2016 عندما أعلنت الكويت تشغيل أول محطة للطاقة الشمسية في حقل أم جدير النفطي، وهي خطوة مميزة للدولة العضو في منظمة أوپيك، حيث تسعى لتنويع مصادر الطاقة لديها لتلبية الطلب المحلي السريع. المشروع الذي تبلغ تكلفته 30 مليون دينار (99 مليون دولار) تحت اسم سدرة 500، سوف سينتج 10 ميغاواط من الكهرباء، سيتم تزويد نصفها بشبكة الكهرباء العامة. أما النصف الآخر فسيستخدم لامداد حقل النفط نفسه، المملوك لشركة نفط الكويت (KOC)، وهي شركة تابعة لمؤسسة البترول الكويتية التي تديرها الدولة. وفي كلمة ألقاها في اطلاق المشروع، قال الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت، جمال جعفر، للصحافيين: ان السدرة 500 تمثل الخطوة الأولى للبلد نحو هذا الهدف، قائلا: «نأمل بحلول عام 2020 أن نجعل 20% من الكهرباء ستكون مطلوبة لتشغيل شركة نفط الكويت من الطاقة البديلة».
ويعتبر مشروع الشقايا للطاقة المتجددة هو أهم وأكبر مشاريع الطاقة البديلة التي يتم تنفيذها في الكويت الذي بدأ العمل فيه في 2016. يشارك في تنفيذ مشروع الشقايا للطاقة المتجددة معهد الكويت للأبحاث العلمية ووزارة الماء والكهرباء. يمثل المشروع احد أهم الخطوات التي تستهدف تحقيق لرؤية وضعها سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
وتم تصميم مشروع الشقايا في الأصل من 3 مراحل، وتشمل المرحلة الأولى محطة للطاقة الشمسية بقدرة 50 ميغاواط، ومحطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 10 ميغاواط ومحطة رياح بقدرة 10 ميغاواط. الطاقة الاجمالية المتوقعة للمشروع سوف تكون 1150 MW (750 MW Parabolic Trough، و400 MW Solar Tower)، وPV 700MW، وطاقة الرياح 150MW. يخضع هذا المزيج من التقنيات للمراجعة ومزيد من التحسين لزيادة انتاج الطاقة خلال فترة الذروة السنوية للطلب في الصيف.
أخيرا تنوي مؤسسة البترول الكويتية تنفيذ مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية بقدرة 1000 ميغاواط وتكلفة 1.2 مليار دولار على أن يتم اكتمال المشروع في 2020. من الواضح أن الكويت لديها ارادة حقيقية وخطوات فعلية نحو تنمية مصادر الطاقة البديلة مدفوعة برؤية مستقبلية واضحة لصاحب السمو الأمير حفظه الله.
[email protected]