لطالما كان الوطن العربي بؤرة صراع لمختلف قوى العالم قديما وحديثا، ربما لما يمتلكه من ثروات طبيعية أو بحكم موقعه الجغرافي المتميز وعمقه التاريخي. لذلك فإن الصراعات الدائمة والحروب المتكررة التي قامت ولا تزال قائمة في أجزاء مختلفة من الوطن العربي جعلت السلام هو الغاية الكبرى التي يحلم بها الجميع ويسعى إليها كل من اكتوى بويلات الحروب والصراع.... لكنها تظل غاية غير مدركة وهدفا بعيد المنال في ظل محفزات الصراع الحالية في الوطن العربي. واقع الحال يقول إن الوطن العربي من أكثر مناطق العالم اضطرابا، فالسلم مفقود في فلسطين والعراق وسورية وليبيا والصومال والسودان واليمن، حيث تشهد جميع هذه البلدان صراعات مسلحة إلى جانب الإرهاب الذي يضرب من حين إلى آخر في دول مختلفة في الوطن العربي. في ظل هذا الواقع المرير ومن دون تبني نظرة مفرطة التشاؤم بل تستند الى الكثير من الواقعية ومكاشفة النفس فإن السلام في الوطن العربي قد يظل لفترات طويلة الفردوس المفقود والغاية غير المدركة.
في هذا الصدد سنتناول الموضوع عبر محاور 4 نبدأها كما يلي:
السلام في الثقافة العربية
إن ما يثير العجب والتعجب في ظل غياب السلام هو أن المجتمعات العربية من أكثر الأمم تدينا وتمسكا بعقائدها وتراثها وثقافتها. فالسلام هو اسم الله ورسالة السماء وسلوك الأنبياء ونهج التابعين وتحية العامة. فقد ورد السلام في القرآن الكريم على سبيل المثال تصريحا وتلميحا في 140 موضعا. منها ما ورد بصيغة الاسم في حوالي مائة واثنتي عشرة ومائة مرة ومنها قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) (النساء: 94)، كما ورد لفظ السلام بصيغة الفعل في حوالي 28 موضعا منها قوله سبحانه: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) (النور: 27). أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية وعرض السلام على يهود يثرب وبعث الرسل إلى الملوك والأمراء برسائل تبدأ بالسلام. كان السلام خيار الخليفة العادل عمر بن الخطابرضي الله عنه مع أهل القدس وكتب لهم ذمة وعهدا وأمانا في واحدة من أشهر معاهدات السلام في التاريخ الإسلامي. فالسلام جزء أصيل من ثقافة العربي وأحد أعمدة العقيدة الإسلامية. الإسلام عني بالسكينة والطمأنينة والأمان من أجل إعمار الأرض وعبادة الله في أمن وأمان، وجعل السلام هو الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق الأمن للنفوس والأمان للأموال والأعراض والسكينة في المجتمعات. السلام في المكون الثقافي العربي هو القاعدة وما دون ذلك هو الاستثناء. فالحرب آخر الطرق وهي الدرع التي يلجأ اليها العربي فقط للذود عن النفس والمال والولد. والمجتمع العربي وإن كانت غالبيته مسلمة إلا أن الديانات الأخرى سواء المسيحية أو اليهودية تدعوا جميعها إلى الحب والمودة والحفاظ على النفوس. إن الأرض للعمار وليست للخراب. لذلك فإن ربط العنف والإرهاب بالثقافة العربية هو أبعد ما يكون عن الحقيقة ولا يستند إلى دليل أو برهان.
[email protected]