لا شيء ثابت في السياسة، سواء في مواقف الأشخاص أو الجماعات، وهي سمة طبيعية انعكاسا لتطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتبدلاتها، والتطور هذا يعكس تطور مصالح الأفراد والجماعات، فينعكس ذلك على المواقف السياسية للأفراد والجماعات، معبرة عن انحيازاتها بما يلبي مصالحها أو لأن التطور يمس مصالحها فتقف ضده.
فالثبات على الموقف ليس بالضرورة أن يكون صائبا، ولكن له ثمن يجب دفعه، وليس بالضرورة ان يكون تبدل الموقف خطأ فهو كما ذكرت بالفقرة الاولى انعكاس طبيعي لتطور الحياة.
والقاعدة السياسية تقول: «تتبدل المواقف بتبدل المواقع»، دون تحديد لشكل وطبيعة التبدل وظروفه، لكن الحياة السياسية أثبتت ان هناك آلية لطبيعة التبدل وطبيعة الموقف محكومة بالظرف السياسي وموقع الشخص في السلطة او في المجلس او في العمل السياسي ككل، فإذا كان في الحكومة فهو يمارس التنفيذ ضمن اشتراطات الفريق التنفيذي وبرنامجه أي انه لا يملك أحقية تنفيذ الرؤيا الفردية الا اذا استقامت وتوافقت مع الفريق، ولذلك انتجت العقلية السياسية في الدول المتقدمة نموذج حكومة التنفيذ التي تجلس على مقاعد المسؤولية وحكومة الظل التي تجلس على مقاعد المعارضة وفي الحالتين لا يوجد رأي فردي الا داخل الاطار الجماعي، فإذا نجح بات موقفا جماعيا، واذا فشل بقي اسير عقل صاحبه فإما يعاود الكرة او يتجاوز الفكرة ويتخلى عنها.
الحياة السياسية انتجت هذه العلاقة بين الموقف والموقع عبر سنين من التجارب السياسية المؤطرة جماعيا بأحزاب وتحالفات لم يعرفها واقعنا السياسي بعد فليس لدينا احزاب، لذلك تجد الهجمة على صاحب الموقع ان ابدى رأيه او موقفه بعد المنصب او خلاله او بعده ويلقى هجوما عنيفا ويتهم بانه تخلى عن مبادئه، فمصطلح التغريد خارج السرب ملتصق بكل من يخالف الفريق وكذلك يلاصق التلون او التبدل من يبدي رأيه بعد المنصب، وكأن المنصب حالة مستدامة او عقد طويل الأجل مع صاحبه لبقائه داخل المنظومة التنفيذية التي اصبح خارجها، دون قراءة الفرق بين العمل الجماعي والرأي الفردي، ودعم هذا الاختلال مؤسسات ومراكز قوى تسعى الى تأبيد الحالة القائمة وعدم تطورها وتسعى الى أسر العقل وتجميده.
النماذج الايجابية في التطبيق لهذه القاعدة محدودة لدينا فثمة مسؤولون سابقون ابدوا رأيا مخالفا للحالة القائمة وفق قواعد اللعب السياسي.
لذا المعارضة او المعارضون في المشهد السياسي اذا بدلوا مواقفهم فهذا طبيعي جدا والساسة تتغير مواقفهم وفق الموقع او حيث يقفون، فمن كان وزيرا بالامس وأصبح نائبا اليوم من الطبيعي ان يتغير موقفه وهذا لا يعيبه ولا ينتقص من عمله.
وعليه لا يجوز ان تحاسب شخصا على موقف اتخذه عام ٢٠١٠ واليوم يتخذ موقفا مخالفا له في ٢٠١٨ فخلال ثماني سنوات تغيرات أشياء كثيرة وتبدلت مواقف، ومن يلعب على وتر ان هذه تناقضات سياسية فهو لا يفهم السياسة.
٭ كلمة أخيرة:
نبارك للعم محمد هيف الحجرف على سلامة العودة من رحلة العلاج. اجر وعافية بإذن الله.
[email protected]