القارئ للحضارة الإسلامية عبر مئات السنين يدرك بسهولة ويسر مدى إسهام الأطباء المسلمين في مجال الطب، بل إن المدقق المنصف يرى أنهم قد أحدثوا ثورة علمية كبيرة أثروا بها هذا المجال الإنساني إثراء كبيرا وعظيما. وتكمن روعة هذه الإسهامات الطبية في الحضارة الإسلامية ليس فقط في التقدم البديع في فنون الطب كالعلاج والوقاية من الأمراض، وإنما في تخريج هذا الكم الهائل من العلماء في ذلك الزمن ذي الإمكانات المحدودة.
ومن أبرز علماء الحضارة الإسلامية في هذا المجال ابن سينا الذي برع في الطب براعة جعلته مؤسسا لنظريات وفتوحات جديدة في الطب في ذلك الوقت، كانت مثار إعجاب الأوربيين. فألف كتابه «القانون في الطب» والذي ترجم في القرن الثاني عشر إلى اللاتينية، حتى أنه من شدة الطلب على كتاب ابن سينا تتابعت طبعاته في العديد من المدن الأوروبية، وكانت له إسهامات كبيرة في اكتشاف الأمراض وطرق علاجها فهو الذي اكتشف للمرة الأولى طفيل «الإنكلستوما» وسماها الدودة المستديرة.
ومن العلماء ذائعي الصيت في الحضارة الإسلامية ذلك العبقري أبوبكر الرازي، والذي يعد واحدا من أعظم علماء الطب على مر التاريخ، فهو أول من اهتم بتشريح الجسم البشري، وله عدة إنجازات غير مسبوقة، فهو أول من اكتشف بعض العمليات الكيميائية الخاصة بالفصل والتقطير، كما أنه اخترع أداة لقياس الوزن النوعي للسوائل، وغيرها الكثير والكثير من الفتوحات الطبية لذلك الطبيب الحاذق والعالم الكبير.
ومن ابن سينا والرازي إلى علم آخر من أعلام الطب في عصر الازدهار الحضاري وهو أبوالعلاء بن زهر، والذي قام بأبحاث مطولة عن سرطان المعدة والبلعوم ولا تزال أبحاثه هذه مثيرة للدهشة حتى وقتنا الحالي، حيث طور طريقة التغذية عن طريق الحقن الشرجية، وهو أول من اكتشف إخراج البلعوم والتهاب الناسور، وتكلم عن البواسير بشكل مفصل.
إن المجال لا يتسع إطلاقا لحصر العلماء العرب المسلمين الذين ساهموا إسهاما عظيما في المجال الطبي، بل وخطوا به خطوات في صالح البشرية جمعاء فهذا مثلا ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية، والزهراوي هو أول من طور الآلات الجراحية، وغيرهم الكثير من هؤلاء العلماء المسلمين، الذين وهبوا حياتهم للطب، ليقدموا للعالم أجمع براهين ساطعة وأدلة قاطعة على عظمة الحضارة الإسلامية التي سبقت العالم كله بعلمائها وعلمها في كل المجالات وليس فقط مجال الطب، وذلك بشهادة علماء الغرب الذين دهشوا لعظمة هؤلاء العلماء، وأهمية اكتشافاتهم في زمن ذي إمكانات تكاد تكون منعدمة.