أغدق الله - عز وجل - على الإنسان الكثير من النعم، والعديد من العطايا قال تعالى (وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلوم كفار) (إبراهيم 34).
فوجب على الإنسان العاقل أن يكون شاكرا لأنعم الله - عز وجل - ومن بين هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى نعمة السمع تلك الآلة بديعة الصنع التي حبانا بها المولى - سبحانه وتعالى - والتي تؤدي بالطبع فوائد عظيمة، وخدمات جليلة للإنسان، بل تعتبر هي الحاسة الأولى التي يعرف بها الإنسان ويكتشف الحياة من حوله.
جاء ذكر هذه الحاسة في مواضع عديدة في القرآن الكريم إلا أن المدقق للنظر في الكتاب الحكيم يجد أن السمع غالبا ما يتقدم على البصر في الذكر، تقدم لفظ السمع على لفظ البصر في 20 موضعا تقريبا، ومن تلك المواضع قوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) «البقرة: 7»، وقوله تعالى: (يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير) «البقرة: 20»، وقوله تعالى: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون) «الأنعام: 46»، وقوله تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) «القصص:71، 72».
ومن هنا دخل العلماء قديما وحديثا في جدل كبير تمثل في المفاضلة بين السمع والبصر، ولماذا في الأغلب يتقدم ذكر السمع عن البصر في القرآن الكريم؟ وقد قالوا في ذلك أقوالا كثيرة وعديدة لا تعد ولا تحصى فالكل أدلى بدلوه، إلى أن أتى العلم الحديث ليكتشف أن آلة السمع وهي الأذن تتكون قبل آلة البصر وهي العين، فالأذن والعين تتطوران في وقت متزامن تقريبا في الحياة الجنينية الأولى، إذ تظهر الصحيفة السمعية في آخر الأسبوع الثالث وهي أول مكونات آلة السمع، بينما تظهر الصحيفة البصرية في أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين، وتتطور الأذن الداخلية للجنين من هذه الصحيفة السمعية، فيظهر في الأسبوع الرابع الكيس الغشائي لحلزون الأذن الذي ينمو طوليا ويلتف لفتين ونصف مكونا الحلزون الكامل في الأسبوع الثامن، ثم تتم إحاطة الحلزون بغلاف غضروفي في الأسبوع الثامن عشر، وينمو هذا حتى يصل حجمه الى الحجم الطبيعي له عند البالغين في نهاية الأسبوع الواحد والعشرين، عندما تظهر فيه الخلايا الشعرية الحسية التي تحاط بنهايات العصب السمعي. وبهذا تكون الأذن الداخلية قد نمت ونضجت لتصل إلى حجمها الطبيعي عند البالغين وأصبحت جاهزة للقيام بوظيفة السمع المخصصة لها في الشهر الخامس من عمر الجنين.
أما العين فلا يتم تكامل طبقتها الشبكية الحساسة للضوء إلا بعد الأسبوع الخامس والعشرين ولا تتغطى ألياف العصب البصري بالطبقة النخاعية لتتمكن من نقل الإشارات العصبية البصرية بكفاءة إلا بعد أسابيع من ولادة الجنين. كما يبقى جفنا عيني الجنين حتى الأسبوع السادس والعشرين من الحياة الجنينية.
هذه الحقائق العلمية تبين بوضوح الإعجاز العلمي التي قدمت السمع على البصر لأسبقيته في الخلق والتطور العضوي والوظيفي وتقدم مركز السمع على مركز البصر في الدماغ - فسبحان الله العظيم رب هذا الكون الكبير.