لقد لاقى المقال السابق تفاعلا كبيرا من القراء وعملت معي الاذاعة لقاء خاصا حول الموضوع مما يدل على ان الموضوع يهم الشريحة الكبرى في المجتمع الكويتي وهناك احساس بأهمية علاج هذه المشكلة المهمة.
وكان مما طرحته في الاذاعة ان الخدمات العامة في الكويت غير مهيأة لاستقبال 2.700 مليون عامل أجنبي، وخير مثال على ذلك المستشفيات لدينا في الكويت لم تتغير منذ 20 عاما ولم نبن مستشفى جديدا وكانت المستشفيات بالكاد تكفي لعلاج المواطنين، ولكن استقبال اكثر من 1.700 مليون وافد خلال هذه الفترة منهم 600 ألف خلال الستة شهور الماضية ساهم في تدهور الخدمات العامة وأهمها الصحية، حيث الازدحام في المستشفيات وعلاج الكويتيين في الممرات وانتظارهم لأكثر من سنة دور لاجراء العمليات وانخفاض جودة الخدمات الصحية بشكل كبير جدا وارتفاع الطلب على العلاج بالخارج والذي يكلف سنويا 100 مليون دينار.
ومن مظاهر سوء الخدمات الازدحام بالطرق المرورية بشكل كبير جدا وارتفاع نسبة التلوث لأن الكويت غير مهيأة لاستقبال هذا العدد من الوافدين وهناك اكثر من مليون سيارة تجوب شوارع الكويت وهي توازي عدد السكان الأصليين بالإضافة الى ضعف تطوير الطرق الجديدة وتوسعتها وعدم تطوير وسائل النقل العام مثل المترو والقطارات. ومن المآسي الكبيرة التي نعاني منها كمواطنين مزاحمة الوافدين لنا في وظائفنا حتى اصبح أبناؤنا ينتظرون بالعام والعامين للحصول على الوظيفة وهم حاملو الشهادات الجامعية، كما حدث مع ابنتي وقلت لها قبل مزاحمة الوافدين لنا في العمل: عندما تخرجت عام 1982 من جامعة الكويت وجدت في بريدي الجامعي 8 عروض عمل منها البنك المركزي وبنك الخليج وشركة الاستثمارات الخارجية، فنحن لم نكن ننتظر دورا للحصول على وظيفة بل هناك لنا الخيار من عدة عروض. ومن المشاكل الرئيسية التي خلقتها مزاحمة العمالة الوافدة للكويتيين في العمل انخفاض قيمة العامل الكويتي في سوق العمل وعدم رغبة القطاع الخاص في استقطاب العمالة الكويتية بسبب رخص العمالة الوافدة مما قلل من قيمة العمالة الوطنية.
وجدير بالذكر ان العمالة الوافدة تقبل بالأسعار المنخفضة بسبب انخفاض سعرها في دولها الأصلية وأيضا بسبب عدم وجود التزامات كبيرة لهم في الكويت مكان العمل، ومن الأمور التي اصبح لها أثر اقتصادي كبير هو ان الكويت أصبحت اكبر مصدر للأموال في الخارج بسبب التحويلات الخارجية للعمالة الوافدة وأيضا بسبب هجرة الاستثمارات المحلية، فتقدر قيمة التحويلات الخارجية من 5 إلى 7 مليارات دولار شهريا أي بحدود 70 الى 80 مليار دولار سنويا، هذا جعل الاقتصاد الكويتي الأفقر خليجيا بالرغم من ان مبيعاتنا النفطية تصل الى اكثر من 120 مليار دولار سنويا أي ان اكثر من 50% من الدخل النفطي يخرج خارج الكويت مرة اخرى، وهذا من الأسباب الرئيسية لانخفاض التنمية والبناء الاقتصادي والتطور العقاري للكويت.
ومن الاحصائيات المذهلة للعمالة الوافدة والذي يدل على فساد الهيئات والمؤسسات الحكومية التي تشرف على هذا القطاع هو وجود 300 ألف عمالة سائبة لا تعرف الدولة لها مكانا ولكنها موجودة في الكويت ومسجلة في سجلات العمالة، كما ان هناك مليون عامل هامشي و170 الف كاتب وعدد الرؤساء والمديرين التنفيذيين غير الكويتيين يبلغ 67659، وهذه العمالة ممكن ان نقوم باستبدالها بالعمالة الكويتية المؤهلة بالإضافة الى استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تغنينا عن العمالة الهامشية.
ومن الأمور المهمة التي أدت الى تدهور قطاع العمال ان مجلس الوزراء أقر نسب العمالة الوطنية في الاقتصاد وأهمية تطبيقها حسب قانون العمالة الوطنية ولكن للأسف مؤسسات القطاع الخاص ترفض تطبيق هذه النسب بحجج واهية جدا والمفروض بوزارة الشؤون ان تطبق عليهم مخالفات ورسوم العمالة الوافدة التي احتلت مكان العمالة الوطنية، ولكن للأسف ما من مجيب ولا تطبيق ولا هم يحزنون مما جعل مؤسسات القطاع الخاص تتمادى في غيها وترفض تطبيق النسب المفروضة وأيضا نستغرب غياب دور مجلس الوزراء والسلطة التشريعية عن هذا الدور العام والمشكلة الكبيرة في تطبيق القانون بالرغم من اعتماد القطاع الخاص كليا على الانفاق الحكومي والمناقصات الحكومية بالإضافة الى الاحتكار.
(ملحوظة: نظرا لأهمية الموضوع فسأقوم بكتابة مقالين آخرين أحدهما سيتناول العمالة الحكومية والآخر الحلول المقترحة).