الوضع المالي وحال الميزانية العامة هما دليل تعافي الدولة وأيضا دليل تطورها، والميزانية العامة في الكويت بالرغم من الفوائض المالية التي تتمتع بها منذ بضع سنوات، الا ان هذا دليل على التراجع وليس التعافي، اذ ان هذه الفوائض ناتجة عن بيع النفط الخام الذي هو المصدر والمورد الطبيعي الوحيد للكويت ونحن نفرط به بأقل الاسعار، وايضا لا نستغل موارده في بناء موارد طبيعية وهذا نتج عنه عدة اتجاهات اقتصادية ومالية غير صحية اقتصاديا منها الاعتماد بحدود 90% على الدخل النفطي في الميزانية العامة للدولة، والمشكلة هي الاستمرار السنوي وعدم وضع حلول واضحة والبدء بها والمرض الهولندي الاقتصادي واصل للنخاع في ادائنا الاقتصادي للاسف، وثاني المظاهر هو استنزاف الاحتياطيات المالية وزيادة الانفاق الاستهلاكي وقلة الانفاق الرأسمالي للدولة والاستثمار للدولة وبناء المشاريع التنموية والبنية التحتية، ومن المظاهر انفراد الدولة في البناء وسيطرتها على كل شيء في الاقتصاد وعدم السماح للقطاع الخاص في البناء والتطوير، ومنالمظاهر ايضا ارتفاع فاتورة الخدمات العامة بشكل متسارع جدا وعدم القدرة على ربط هذا التسارع بتوجهات انتاجية على مستوى البلد والاقتصاد، ومن مظاهر التراجع عدم القدرة على جذب الاستثمار الاجنبي وبناء شراكات اقتصادية ومالية مع المجموعات الصناعية والاستثمارية العالمية. هذه بعض مظاهر التراجع المالي العام والاقتصادي ولعل منأهم العقبات التي نواجهها في بناء مركز مالي واقتصادي هي:
1 ـ عدم وجود خطة او استراتيجية واضحة المعالم، فعلى الرغم من وجود الخطة التنموية التي اقرها مجلس الامة، الا انها تظل خطة تشغيلية جيدة لكنها ليست استراتيجية لبناء اقتصاد مالي واقتصادي منتج واضح المعالم، ولعل التقرير الاقتصادي الذي اقرته اللجنة الاستشارية العليا يكون قاعدة رائعة لبناء استراتيجية اقتصادية، ولو كنت المسؤول لاستدعيت منظمات اقتصادية ومالية عالمية لبناء مثل هذه الاستراتيجية على ان توضع آلية تنفيذ واضحة ومحددة وايضا كيفية بناء مؤسسة اقتصادية لها القدرة على التنفيذ، فالخطط وحدها لا تنفع ما لم تكن مصحوبة بآلية التنفيذ ومؤسسات اقتصادية فاعلة تقود هذا التنفيذ.
2 ـ قيادات اقتصادية فاعلة لها القدرة على ادارة مؤسساتنا الاقتصادية، يقول الله سبحانه وتعالى (استأجره ان خير من استأجرت القوي الامين)، فالله عز وجل قرن الامانة والقوة معا، والقوة لا تأتي الا من خلال العلم، كما في قوله تعالى في سورة اخرى (ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) مشكلة مؤسساتنا الاقتصادية هي ان من يقودها ليس لديه فكر اقتصادي وان كان موجودا فتنقصه الامانة، فالمطلوب ان يقود مؤسساتنا من يملك القدرة على البناء الاقتصادي ولديه رؤية اقتصادية واضحة نحاسبه عليها وعلى تطبيق التطور الاقتصادي والمالي، وهذا لا شك ينطبق على مؤسساتنا المالية في الكويت، فأداء القيادات فيه مضحك وتنقصه الامانة، وفي الحقيقة ان الازمة المالية العالمية فضحت هذه القيادات فأضحت مؤسساتنا المالية خربة وعفنة كما وصفها كثير من الاقتصاديين والصحافة الاقتصادية في البلد، فالمطلوب تطبيق انظمة الحوكمة ومراقبة الاداء المالي لهذه المؤسسات فلا يعقل ان نعطي لها الفرصة لضرب اقتصاد البلد بسبب تصرفاتها الاقتصادية الخربة.
3 ـ الشفافية مطلوبة ولابد من تعزيزها اذا ما اردنا ان تثق بنا المؤسسات العالمية للاستثمار في الكويت، وهناك عدة طرق لتعزيز الشفافية في الكويت اهمها اقرار قوانين النزاهة وزيادة حجم الرقابة المالية ووضع انظمة لتعيين ومحاسبة القيادات الادارية والاقتصادية وتغيير قوانين محاكمة الوزراء والقياديين.
4 ـ ضعف اداء المنظمات الحكومية والقوانين المعقدة هي من العقبات الرئيسية التي نواجهها في تطوير الاداء المالي والاقتصادي للدولة، فلابد من خطوتين رئيسيتين في هذا الباب البدء في اصلاح الجهاز الحكومي وتعزيز مبدأ الشفافية وتطوير انظمتنا وقوانيننا الادارية، ثانيا البدء في الشراكة مع القطاع الخاص في توفير الخدمات العامة تحت أي اسلوب من اساليب الخصخصة التي يرتاح اليها المشرع في الكويت ومنها شراكة المواطنين في الخصخصة وفي اداء الشركات للخدمات العامة كما جاء في قانون الخصخصة الذي اقره مجلس الامة.
ختاما، هذه بعض عوائق التطور المالي والاقتصادي حتى لا نطيل على القارئ الكريم، وتبقى اهمها القناعة لدى القيادة العليا والقناعة المجتمعية بالتغيير والتطور، لأننا من المستحيل ان نسير بفكر الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في القرن الواحد والعشرين، فالادارة العامة تطورت تطورا شديدا والتطور الاقتصادي والعولمة والتطور التكنولوجي تطاردنا بشكل كبير، ونحن في أشد الحاجة الى التغيير والتطور لملاحقة هذه التطورات.
www.waleedalhaddad.com