بداية الاستشراق في فترة الحروب الصليبية عندما بدأ الغرب المسيحي في التعرف على حضارة الإسلام حيث بدأت بعض المخطوطات العربية تعرف طريقها إلى المكتبات الملكية في فرنسا أما الاستشراق الرسمي فبدأ مع صدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام 1312م بتأسيس عدد من كراسي الأستاذية في العربية واليونانية والعبرية والسريانية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا.
والاستشراق ميدان واسع من ميادين الدراسة قائم على وحدة جغرافية وثقافية ولغوية وعرقية وهي: الشرق.
كان المستشرقون منذ منتصف القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر باحثين في مجال الاستشراق ليشمل كل ما له علاقة بدراسة الشرق الممتد من الشرق الأدنى وحتى الجزر اليابانية، لذلك كان مستشرق القرن التاسع عشر إما باحثا مختصا بالدراسات الصينية أو الإسلامية أو بالدراسات الهندوأوروبية.
وتشمل هذه الدراسات دراسة اللغات العربية والفارسية والعبرية والتركية والصينية والجاوية وعدد لا يحصى من لهجات الهند.
اهتم المستشرقون بالدراسات الإسلامية والعربية وترجمة الكثير من النصوص العربية.
مع بداية النهضة الأوروبية وتوجيه أوروبا نظرها إلى العالم القديم «آسيا ـ أفريقيا ـ أوروبا» ومحاولة سيطرتها على الطرق المؤدية إلى الهند والشرق الأقصى كان الإسلام هو دين غالبية سكان هذه المنطقة فأخذ الغرب المسيحي في التعرف على حضارة هذا الجزء من العالم عن طريق دراسة دينه ولغته وحضارته.
كانت حملة نابليون بونابرت أواخر القرن الثامن عشر 1798م ـ 1801م وتأسيس المجمع العلمي المصري هي أول محاولة حقيقية لتقريب الشرق من أوروبا، لذا وجدت هناك علاقة وثيقة بين دول الحضارات القديمة في الشرق وبين المستشرقين ومن نتيجتها احتلال أوروبا لجزء كبير من الأراضي العربية والإسلامية، ولكن هناك إيجابيات للاستشراق منها جمع المخطوطات العربية والشرقية وفهرستها.
وترجع البداية الحقيقية لإنشاء مجموعات المخطوطات الشرقية «العربية والفارسية والتركية» في أوروبا إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما بدأ اتصال فرنسا بالمخطوطات العربية.
وكذلك مجموعات المخطوطات العربية التي تحتفظ بها إسبانيا في مدريد وفي المدن الإسلامية الأندلسية كغرناطة وقرطبة واشبيلية وفالنسيا وغيرها كذلك هناك مخطوطات مشرقية وعربية في برلين وفي المكتبة البريطانية باكسفورد ومكتبة جامعة كمبردج ويرجع تاريخ تكوين مجموعة المخطوطات العربية في المكتبة البريطانية إلى عام 1753م وكذلك هناك مخطوطات عربية في الفاتيكان في روما وميلانو جمع أكثرها من اليمن وفي دبلن بايرلندا وبها مصاحف نادرة.
وقدم المستشرقون خدمة مهمة بوضعهم فهارس وصفية وتحليلية لهذه المخطوطات العربية ونشر التراث نقد النصوص العربية القديمة ونشرها في أوروبا منذ القرن الخامس عشر الميلادي وخاصة بعد اختراع آلة الطباعة وكان من أوائل الكتب التي اعتنى المستشرقون بإخراجها كتاب «القانون في الطب» لابن سينا طبع في روما عام 1593م وكذلك كتاب «نزهة المشتاق» للإدريسي و«المختصر في أخبار البشر» لأبي الفداء وتأسيس دار نشر بريل في لندن عام 1812 والتي تخصصت في نشر التراث الشرقي.
أخذت النصوص العربية الأصلية تجد طريقها إلى النور على يد متخصصين أخرجوا لنا نصوصا مثل «معجم البلدان» لياقوت الحموي و«تاريخ الدول والملوك» للطبري و«المكتبة الجغرافية» ودواوين الشعراء الجاهليين و«نقائض جرير والفرزدق» و«فهرست» ابن النديم.
وعمل المستشرقون الكثير من الدراسات والأبحاث عن مختلف جوانب التاريخ الإسلامي وحضارته والكثير من المجلات وكتابة تاريخ الأدب العربي والذي أنجزه المستشرق الألماني كارل بروكلمان بين عامي 1898م ـ 1901م وأنجز المستشرقون المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي وكذلك من أهم إنجازات الاستشراق دائرة المعارف الإسلامية والتي شارك في تحريرها على امتداد تسعين عاما كبار المستشرقين وهو عمل رائع لا يقدر بثمن مرتب على حروف الهجاء اللاتينية.
كذلك من إنجازات المستشرقين عقد مؤتمرات متخصصة لتدارس تاريخ الشرق وحضارته.
[email protected]