عندما نتصفح كتبا أو مجلات أو جرائد مختلفة وفي شتى المواضيع ويشد انتباهنا موضوع ما بقيمته وفوائده المعرفية والعلمية، ونقتبس منها العلوم والمعارف كالقصص والأشعار والأمثلة والعبر والحكم والمواعظ وسير العظماء والحكام ومغامرات الرحالين المكتشفين وغيره ولا كل ما نقرؤه يثبت في الذهن والوجدان، لذا يجب أن تثبت صيدك من المعلومات المعرفية والعلمية الصالحة المفيدة والنافعة وتحتفظ بصيودك بالتدوين والتقييد بمداد القلم في وعاء الكتب وترجع لها وقت الحاجة كمرجع موثق.
وكذلك تقييد ما نشاهده أو نسمعه بجوارحنا من مواقف كثيرة ومثيرة فيها العظة والعبرة والحكمة حتما لا بد أن نصطادها ونوثقها ونقيدها بالقلم والقرطاس وكذلك عندما ندخل بستانا غناء محفوفا بالأزهار والرياحين والأشجار المثمرة ورياض يفوح منها أطياب عبيرها تستهويك مناظرها الخلابة حتما ستقيدها بأحاسيسك الجياشة وتنثرها بقلمك وقرطاسك.
وكالغزالة الهاربة عندما يقوم الصياد باصطيادها ستقيد الغزالة وإذا لم تقيدها هربت منك وكذلك الصقار عندما يدرب صقره تدريبا جيدا سينقض الصقر على فريسته وهو طائر الحبارى ويقيدها بمخلبه ومنقاره حتى لا يفلت طائر الحبارى منه ويفرح الصقار بالصيد الثمين والذي اعتاد الصيد لا يستطيع تركه حيث يجد فيه إمتاعا لنفسه والانتفاع به وقت الحاجة فيزداد العقل اتزانا والذهن تركيزا، والذي يهذب الفكر والعقل هو القلم.
وكذلك كثير من الرحالة والمكتشفين العرب المسلمين والرحالة الغربيين قيدوا صيودهم من خلال مشاهداتهم ومغامراتهم وجمعوا أوصافا عن حياة الشعوب والمدن وإخبار السالفين والأولين وغرفوا من ينابيع الحكم والمعارف والمكارم ونثروا بأقلامهم بالقرطاس حروفا أحكمها الذهن والعقل ووثقوا صيودهم بعين فنان بارع بفن التصوير والإبداع وتعتبر كنوزا حضارية وثقافية وموثقا علميا ومرجعا للأجيال.
والكتاب خير جليس وأنيس للإنسان في خلوته وفي اهتمامه، وسلوة البشر التدوين بالقلم وقراءة ما ينتفع به من العلوم المتنوعة النافعة ولا يقيد إلا ما كان صالحا للتقييد. يقول الإمام الشافعي: العلم صيد والكتابة قيده، قيد صيودك بالحبال الموثقة.
وفي وعاء الكتاب تجد الأخبار اللطيفة ومن الحكم الرقيقة والأخبار عن القرون الماضية والأمثال السائدة والأمم البائدة، وفي بستان الكتاب يجلو العقل ويشحذ الذهن ويحيا القلب وتقوى العزيمة ويؤنس في الوحشة ويضحك بنوادره ويسر بغرائبه.
ولو لم تقيد صيودك من أعمال العباد لما كانت محفوظة لا يتخللها خلل ولا يتداخلها نسيان ولا زلل والآلة التي تتهيأ بها الكتابة هي القلم قال تعالى: (ن والقلم وما يسطرون - سورة القلم آية: 1)، وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «قيدوا العلم بالكتابة»، ورجل شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم النسيان فقال له: استعمل يدك حتى ترجع إذا نسيت إلى ما كتبت.
وعن بعض الفلاسفة أنه قال: صورة الخط في الأبصار سواد، وفي البصائر بياض.
عجب الناس من بياض معان
تجتلى من سواد ذاك المداد
فالقراءة تنمي المعارف وتطور العقل والفهم، فالقراءة هي النور وهي الرئة التي تنشق منها أنفاس الحياة. اقرأ كل شيء ولكن في الكتب المفيدة والصالحة والنافعة وقيد بخطك كل ما يفيد وتستفيد منه ويستفاد به.
[email protected]